السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الحفر في الإبداع الكلاسيكي سينمائياً؟

من منّا لم يقرأ الإلياذة والأوديسة؟، من منّا لم يستمتع بالمتنبي أو بألف ليلة وليلة؟، أي قارئ عاقل يستطيع أن ينكر دهشته أمام رسالة الغفران، أو الكوميديا الإلهية؟، العظمة والاتساق مع إنسانية الإنسان، تختصر الزمن أبداً.

انتقال هذه النصوص من الكتابة إلى السينما، لا يلغي طبعاً قيمتها الجوهرية والتواصلية، ولكنه يرسخها، تتحول إلى تعبير متعالٍ عن عصر مضى، وعصر يعاش، وآخر على تماس مستديم مع حاضر ينشأ أمام أعيننا، وماضٍ لم يغير إلا قليلاً من قيمه ومعتقداته وحتى ثقافاته، لأن هذه الأخيرة مقاومة بطبيعتها، ولا تتبدل بسرعة.

إضافة إلى أن هذه النصوص العظيمة التي اكتسبت خلودها من قوتها الداخلية، اشتغلت على موضوعات إنسانية مستمرة مع الإنسان، كالحب والكراهية والنبل والخوف والبطولة والخيانة، والحرب والسلام.. إلخ.


شهدت السنوات الأخيرة دفعاً كبيراً باتجاه إخراج النصوص الخالدة سينمائياً، أفلام كان مصدرها الأول روايات أو قصص أو حتى مسرحيات، كمسرحية «فاوست لغوته»، ورواية البؤساء، والرجل الذي يضحك لفكتور هوجو، آنا كارنين للكاتب الروسي تولستوي، وحجر الصبر للكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، وغير ذلك، وهوية هذه الأفلام ليست هوية كتابها بالضرورة، لأن أغلبية النصوص المنتجة دخلت في الميراث الإنساني.. البؤساء إنتاج أمريكي ضخم زاوج بين الكوميديا الموسيقية والرقص، على طريقة الميوزيك هول الأمريكية.


آنا كارنين لم تنتجها روسيا ولكن الإنجليز بمسحة مسرحية شكسبيرية درامية، وحجر الصبر إنتاج مشترك لعب فيه المال الفرنسي كثيراً، ولم يحمل من أفغانستان إلا المخرج وكاتب النص نفسه، عتيق رحيمي، والثيمة الخاصة بالحرب الأهلية الأفغانية.

تبدو سينما الكاتب اليوم في عز انتشارها، ولم تعد حدود اللغة والزمان والموضوع مشكلة.. البشرية في النهاية واحدة ومشاكلها متقاطعة.. لقد اخترقت السينما كل الحدود التي كانت تبدو صعبة وحتى مستحيلة، فالقيم الأدبية الخالدة التي أنتجتها النصوص الأدبية تؤهلها لهذه الاستمرارية، ولم تعتمد على الآني والسياسي والأيديولوجيات الطارئة، ولكن على ما هو إنساني وبعيد ومستمر في الإنسان ومعه.. الإلياذة تعيدنا اليوم إلى جنون الحروب، ونص البؤساء يرجعنا بالضرورة إلى الثورات العربية والحروب الأهلية وطفولتنا الشبيهة لطفولة غافروش المسروقة، في أزمة آنا كارنين مع زوج تهمه رتبته الاجتماعية أكثر من زوجته، الكثير من مشاغل عصرنا العاطفية.. هل نحب آنا كارنين لأنها كانت صريحة وصادقة في حبها، أم نكرهها لأنها خانت زوجاً خارج دائرة العاطفة، يهمه في النهاية قربه من المؤسسة القيصرية، ولم يترك في النهاية أمام زوجته من سبيل إلا الانتحار؟ هذا كله يعني شيئاً واحداً هو أن النصوص الكلاسيكية، بالخصوص الروايات، ما تزال حية وقائمة ومستمرة.. والسينما لا تفعل شيئاً سوى إعطائها نفساً جديداً يجعلها تستمر فينا بقوة. فماذا عن السينما العربية في تعاملها مع تاريخها المدفون تحت ركام الخوف والإهمال؟