الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

ضلالات الدلالات

قال سيبويه: «أموت وفي نفسي شيء من حتَّى»، ويؤكد أن اللهجات العامية أفسدت شيئاً من «حتّى»، لأن أعيت من يحاول تحديد موقعها وموقفها، وهل هي حرف جر أم أداة نصب أم زائدة ولا تعمل فيما بعدها.

وفي فيلم «الأيدي الناعمة» عن قصة الأديب الراحل توفيق الحكيم كانت رسالة الدكتوراة للراحل صلاح ذوالفقار أو الدكتور حمودة مخصصة لـ«حتى» طبعاً هي سخرية أو كوميديا ولكن قول سيبويه يؤكد أن هناك مشكلة مع حتى. أما أنا فإن مشكلتي مع ألفاظ ومصطلحات كثيرة في لغتنا العربية بعد أن فقدت معناها وحلَّت الدلالات محل المعنى، ومعظم هذه الدلالات سيئ مثل السين وسوف، ونحن نستخدم التسويف بمعنى المماطلة وعدم النية لإنجاز ما سبقته سوف مثل سوف نتحرك، سوف نحقق، سوف نقرر، سوف نراقب الأمر عن كثب.

وهنا لا تنتظر خيراً ممن يبدأ كلامه بسوف أو السين، فقد صارت دلالة سوف سيئة جداً، وليست مثل سوف التي قالها سيدنا يعقوب -عليه السلام: «سوف أستغفر لكم ربي» فتلك معناها الإنجاز في وقت محدد وسوف بدلالتها الحديثة حرف نفاق وكذب وخلف للوعد.


وهكذا فقدت ألفاظ كثيرة معانيها الجميلة لمصلحة دلالات سيئة مثل: «إن شاء الله»، التي أصبحت تعني التسويف والمماطلة، وقد كان ابن تيمية عندما يسمع من أحدهم قول: «إن شاء الله»، يقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وهناك ألفاظ كثيرة ذات معانٍ جميلة اكتسبت دلالات تثير الريبة مثل أبشر واطمئن ولا تقلق، وفي مصر يقولون: «من عينيّ»، وفي الخليج العربي يقولون: «على خشمي»، وفي مصر أيضاً عندما تنشب معركة بين اثنين يقول أحدهما للآخر: اتكل على الله، وهي لا تعني دعوة إلى التوكل على الله، وإنما تعني التهديد، بدليل أن الآخر يرد ولو ما اتكلتش على الله تعمل إيه؟


كل هذا وغيره يؤكد أن الناس يتحدَّثُون بلا وعي، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، ويكتبون ما لا يعون، ويؤكد أيضاً أن اللهجات العامية أفسدت معاني اللغة الفصحى فتاهت في ضلالة الدلالات.