الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

أخلاقيَّات النقد

بين النقد كوسيلة للمدح أو طريقة للقدح، ضاعت القيمة الحقيقية له كوسيلة للتقييم وإضفاء لمسة فنية على النص أو اللوحة أو الفيلم السينمائي أو حتى مباراة كرة القدم، لكن كيف تحول النقد في الأساس إلى مهنة، وأصبح هناك نقاد أدبيون، وفنيون وسينمائيون ورياضيون، بل كيف أصبح هناك نقد للنقد ذاته؟

وفيما لا تبدو هناك إجابة جاهزة لمثل هذا السؤال الإشكالي، يمكن التخمين بأن العقل البشري توصل منذ وقت مبكر إلى فكرة مفادها أن الشيء لا يكتسب قيمته إلا من خلال تحويله إلى حالة جدلية تطورت مع الزمن واكتسبت قواعدها من الممارسة والتراكم المعرفي.

وقد ارتبط النقد في بعض المراحل من تاريخ الثقافة العربية ارتباطاً وثيقاً بالمعارك الأدبية، عندما تحول أحياناً إلى وسيلة لتصفية الحسابات، غير أنه أسهم بشكل أو آخر في ضخ الدماء في عروق المشهد الثقافي العربي، كما أسهم في إنتاج حركة أدبية وثقافيّة فاعلة حية تعج بالجدل المعرفي.


وحين نستذكر أبرز المساجلات في تاريخ النقد، تلمع أسماء كبيرة لا تزال محفورة في الذاكرة الثقافية العربية، فيبرز أمامنا العقاد بعنفوانه وقامته الأدبية الشامخة ومعاركه التي لا يكاد يفرغ من إحداها حتى يخوض أخرى، ونتذكر الرافعي بمنهجه البياني وصولاته في معركتي (تحت راية القرآن) و(على السفود) ونتذكر "الدكاترة" زكي مبارك في معاركه مع أحمد أمين، ورده على مقالات (جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي) لأمين، بسلسلة مقالات حملت عنوان (جناية أحمد أمين على الأدب العربي).


وقد حملت المعارك الأدبية في تلك الفترة سمة نقدية خالصة تركز على النصوص والأفكار وليس الشخوص، فيما يمكن وصفها بأخلاقيات النقد، وهو الأمر الذي يؤكد عليه زكي مبارك في ختام سلسلة مقالاته النقدية على أمين عندما قال: "انتهيت من محاسبة أحمد أمين الباحث، أما أحمد أمين الصديق فله في قلبي أكبر منزلة وأرفع مكانة، ولن يراني إلا حيث يحب في حدود المنطق والعقل، وسلام عليه من الصديق الذي لا يغدر ولا يخون".
وكما كان النقد حاضراً في المعارك الأدبية، لمع نجمه كذلك في مجال الكشف عن السرقات الأدبية منذ وقت مبكر في تاريخ الثقافة العربية، كما يقول محمد حسين شمس الدين في مقدمة الموشح، حينما يشير إلى أن النقد قد انشغل في القرن الرابع كثيراً بالكشف عن السرقات.