الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الأدب.. نافذة على الممكن

الأدب يُعبّد دروباً شديدة الوعورة إلى درجةٍ نؤثر فيها السلامة – على أرض الواقع – ونجنّب أنفسنا وعثاء السفر، لكنّ تلك الدروب المجهولة تنادي فينا حسّ المستكشف الرّحال، فنقطع أهوال الطريق بينما نستلقي على أريكةٍ وثيرة أو سرير دافئ، متسلحّين بكوب قهوة أو شاي، وأحياناً نقرأ نصّاً أدبيّاً غارقاً في حالةٍ نفسية شديدة العمق، أو متلبّساً وعياً وجدانياً يفتح آفاقاً للتساؤلات والتفكّر.

يلعبُ الأدب دور المُرشد الروحي، فيأخذنا إلى دهاليز النفس البشرية. ونحن إذ نحاول فكّ عقدها الكثيرة، نجد أنفسنا قد وقعنا في الفخ، كقطةٍ تحاول حلّ نفسها من خيوط كرة الصوف المُلتفة حولها، وحين نُغلق الكتاب، يُهيّأ لنا أن كل تلك العُقد قد حلّت، ويكفي أن نفتح كتاباً آخر حتى نحاول التشابك والفكاك من عُقدٍ جديدة.

كما يملك الأديب أدوات تشرّع له التغلغل بحرية، وهو يقودنا إلى البحر دون أن يعدنا بالنجاة، ولو أننا استمعنا إلى ما يسرده عن شخوصه من نميمة وظنون – على أرض الواقع – لوصمناه بالسلبية أو المغالاة، لكننا سنفتح أذرعنا وعقولنا ليصبّ فيها ما يشاء في قالب أدبي، ويخرج منها كالشعرة من العجين، أو ربّما لا؟


بلا شك، سنجد شيئاً من سوداوية كافكا في نصوصه، وعبقرية دوستويفسكي في فلسفته، ورهافة المنفلوطي في نظرته ومنهاجه وسنجد في كل من كتب أثراً من عقله على صفحاته، وبصمةً من روحه في أعماله، ولا يستطيع أي كاتب أن يتبرّأ من ذرّات نفسه هنا وهناك مهما لملمها وأخفاها، فهو الكاشف المكشوف، وتلك لعبة الأدب التي يناور فيها الكاتب القارئ، والعكس، على طاولة تبني تأويلاً على تأويل، يتحلّق حولها كل متفاعل نشطٍ وساكن.