الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الكتابة.. احتراف وحق إنساني

يتواصل معي العديد من القراء والأصدقاء، يعبرون لي عن رغبتهم في الكتابة والنشر عبر حساباتهم الإلكترونية أو مدوناتهم الشخصية، يطلعني البعض على كتاباتهم، بعضها جيد جداً، والآخر لا يرقى لمستوى الكتابة، لكن لهم جميعاً كنت أقول: «إن الكتابة حق للجميع»، وهي في شقها الاحترافي ميدان مقتصر على خاصة العارفين بفنون الكتابة، أما في مفهومها العام فهي حق إنساني يسع الجميع.

صحيح أننا نعاني كثيراً من ظاهرة المتطفلين على الثقافة والكتابة، ومن الكثرة الذين طفوا على السطح بصفتهم كُتاباً وروائيين وشعراء، لكن في اعتقادي إنها مشكلة النقد، ومشكلة المؤسسات الثقافية التي صارت تتعامل مع هذه الفئة بالمجاملات، وتُروج لهم على حساب جودة الأعمال، أما فئة الراغبين في التعبير عن ذواتهم أو رؤاهم وتجاربهم، بعيداً عن ادعاء امتلاك حالة إبداعية، فللكتابة فوائد جمة تستحق أن تستثمر.

بالكتابة نحسن جميعنا أداءاتنا اللغوية، فنحن الكُتاب حين نقارن نصوصنا الأولى بالأخيرة نذهل للفوارق التي اتسعت بينها، كما أن الكتابة تمرن على تنظيم الأفكار وانتقاء الألفاظ والمفاضلة بينها، وتروض المشاعر الجامحة في طرحها للمواقف الفكرية والاجتماعية.


الكتابة أسلوب للتواصل الاجتماعي يتفرد به الكاتب وتتسع فيه حريته، ينعتق من قيود مواجهة الآخرين، وتدخلاتهم ومقاطعاتهم، فيقول ما يشاء دفعة واحدة، ولذلك فإن الكتابة هي من أفضل العلاجات النفسية للضغوط العصبية، والأزمات العاطفية، وتحمي من الأمراض العقلية، إنها تسهم في تفريغ الشحنات السالبة العالقة في دواخلنا، وهي تطهير لأرواحنا وأذهاننا من الآلام المتراكمة.


الاستمرار والاجتهاد في تجارب الكتابة يُمكن أن يتدرج بالهاوي إلى مستويات متقدمة من الإنتاج الكتابي، فالكتابة الجيدة تتطلب استخدام شقي الدماغ الاثنين، الأيمن المعني بالعمليات الإبداعية من خلق وابتكار ونقد، والأيسر المعني بالجانب التحليلي الممزوج بالعاطفة، الكتابة تمرين دائم وتحسين للنصوص ومقارنة بينها، ونتائجها تستلزم الجلد والصبر، وهي تجربة إنسانية فريدة لها سماتها عند كل كاتب.

«في داخل كل منا كتاب»، قد يكون متخيلاً، أو رصيداً من التجارب الخاصة، وهناك من يرى أن كتابه يستحق أن يشارك به الآخرين، والمتلقي هو الحَكَم في مستوى تلك الكتب، وفي الغرب ليس المشاهير والشخصيات العامة، وحدهم، من ينشرون سيرهم الذاتية، كتابة اليوميات سلوك شائع يتعلمه الأطفال في المدارس، والبوح والتعبير عن الرؤى والمواقف وتفسير ما حولنا وتقييم ما يحدث، حاجة، وحق مباح الجميع.

لذلك، فإني أنصح الجميع: اكتبوا ما تفيض به عواطفكم وعقولكم، واستمتعوا بنعمة الكتابة.