الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الضّخ الإعلامي العالمي.. التوحيد والتزامن

لا جدال في أنّ للإعلام اليوم تأثيراً مدوّياً، وسطوة كبيرة وقدرة هائلتين، وتحكماً كبيراً في القضايا المجتمعية والإنسانية والعالمية، وهو قادر بفضل طبيعة خطابه وتطوره المتسارع واستغلاله للتقدم التكنولوجي الكبير، على تشكيل الوعي وتوجيه العقول وصناعة الرأي العام، وهو محرك رئيسي للأحداث والتفاعلات داخل المجتمعات وفي الساحة العالمية، لدرجة أصبح فيها أحد أهم أسلحة الدول والجهات المختلفة في نشر سياساتها وأجنداتها وقضاياها، ولهذا يُضخ فيه سنوياً أموال وميزانيات ضخمة، لفاعلية النتائج التي يُحقّقها وقوة تأثيرها وسرعة انتشارها.

والإعلام كذلك، هو الذي يقوم بصياغة وترويج عمليات التحولات المجتمعية والعالمية الكبرى، وكثير من الصراعات والمنافسات والنقاشات تتم من خلاله، ليبرز التساؤل الآتي: من الذي يصوغ الخطاب الإعلامي العالمي، ومن الذي يُحدّد أولويات الأخبار والقضايا فيه، ولماذا؟

يشير كثير من الدارسين والمراقبين إلى أنّ هيئات المؤسسات والشبكات الإعلامية العالمية الكبرى هي من تقوم بذلك، لكن هذه المؤسسات والشركات تعمل كما هو معلوم في ساحات تسيطر عليها وتديرها بشكل أو بآخر دول وجهات رسمية وبنى اقتصادية وسياسية وكيانات عميقة وممولون ماليون.


وما يلفت الانتباه هو توحيد الموضوعات والقضايا المطروحة فيه، والتزامن في ترويج الأخبار والأحداث وبثها في وقت واحد وبإجماع مشترك وتوجيه موحّد، وذلك لينتج عنها رد فعل متوافق ومتجاوب، ما يجعل الأمر موضع شك حول من يكون وراء ذلك، خاصة في القضايا المتعلقة بنشر الثقافة الغربية، والدفاع عن سياسات العالم الأول، وتلك الموجّهة للعالم الثالث، والمختصة بمحاولة إبراز تناقضاته، والتأثير على خصوصياته الحضارية والتاريخية والثقافية والقيمية.


وما يسترعي الانتباه كذلك، الضخ الإعلامي الموحد لقضايا بعينها، كقضايا متعلقة بالأديان والمرأة، والتحولات الاقتصادية الرأسمالية كالخصخصة وغيرها، وحقوق الجماعات غير المألوفة ونشر الثقافة المادية والاستهلاكية..إلخ.

في حين أنّه يتم التغاضي فيه عن الأخبار والموضوعات ذات الصلة بحقوق الدول والشعوب وقضاياها العادلة ومسائل التبعية والفقر والجوع وغيرها، عدا عن استمراره في إبراز الصور النمطية غير الموضوعية، والأحكام المُسبقة المغلوطة المُتّخذة عن العالم الثالث وخاصة المنطقة العربية والإسلامية، ومحاولة فرض نمط فكري سياسي واحد على العالم.

لهذا، لا يمكن تصور عدم وجود جهات دولية وغيرها، تقف خلف صياغة وهندسة الخطاب الإعلامي العالمي، وتحديد أولويات الأخبار والموضوعات والقضايا فيه، وتوحيدها وفرضها وترويجها وتكثيف بثها ونشرها، وذلك لتوجيه الساحة العالمية والرأي العام، نحو ما تؤمن به وتريده، ولتحقيق مصالحها وأهدافها الأخرى المبتغاة من وراء ذلك.