الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

رواية العائلة.. وتحولاتها عربياً

رواية العائلة، أو الرواية العائلية، مصطلح غربي جاء ليجسد مفهوم تحولات العائلة في النص الأدبي، الروائي تحديداً، من خلال مسارها الحياتي والثقافي والنفسي كما يحدده الباحث النفساني جاك لاكان الذي يرى أن كل حقيقة ذاتية تتبطن بنية حكائية، فنحن لا نقول الحياة إلا من خلال سردية معينة بكل تعقيداتها.

أغلب الروايات العربية الكلاسيكية والحديثة لم تخرج عن هذا المعطى. تحكي من خلال شخصياتها، حقيقتها المفترضة، حقيقة الفرد، ولكن أيضاً حقيقة عائلة تخترقها الأزمات والصراعات الداخلية والخلافات الثقافات والحضارية والأيديولوجية. نفس الظواهر التي اخترقت رواية العائلة الأوروبية، من العائلة النموذجية والمتوازنة التي تخفي خلافاتها كما عند فرانسوا مورياك Mauriac، إلى العائلة المفككة، المجروحة مثلما هو الحال عند بازان وكريفل Bazin, Crevel، ورواية الأم النموذجية والمقاومة كما عند ألبير كامو ومارغريت دوراس.

إن التطورات المعاصرة أعطت للعائلة العربية فرص التطور والتفتح، لكنها بالمقابل، فككت البنية الهرمية للعائلة البطريركية، وانهارت فيها كل التوازنات التي كانت موجودة سابقاً وتمزق ما كان مقدساً، ومالت الرواية نحو مأسوية التحول، فتغيرت العلاقة بالنظم.


حتى الدين لم يعد كما كان بالمفهوم الشعبي التسامحي البسيط، إذ نجد الأب متفتحاً مع بناته وأولاده، بينما الأبناء خريجو المدارس والجامعات، متطرفون دينياً، هذا يعني أن حلقات التطور داخل النظام المجتمعي والعائلي تسير بالمقلوب.


ثقافة الأبناء مسيسة دينياً وعوضوا سلطة الأب بسلطتهم. فصورت الرواية العربية عائلة قطعت مع التطور الإيجابي، تسير نحو حتفها، ونحو المزيد من التخلف؟

في الفترة البطريركية التي جسدتها الرواية الكلاسيكية العربية عند محفوظ الشرقاوي، وعبدالحميد بن هدوقة، كان التوازن يأتي من التراتبية العائلية، أما اليوم فلم يبق شيء من هذا، العائلة الحاضرة في الرواية العربية المعاصرة عائلة مأزومة كلياً. جرائم الشرف مثلاً، يفترض أن تعلمنا التعقل، وضبط النفس، واعتماد القانون مرجعاً.. بدون سؤال، يقتل الأخ أخته بسبب إشاعة، أو الأب ابنته أو زوجته ستراً للعار، والقانون الحامي للجميع، يجد كل مبررات التماس الأعذار للقاتل.

هذه هي العائلة العربية اليوم كما جسدتها الرواية، في تكوينها النفسي، الفردي والجماعي، في ظل بنيات رثة تفككت، دون أن تنتج عنها بنيات بديلة أكثر ارتباطاً بثقافة العصر. لا يكفي التعليم لتكوين الأجيال الفعالة والمشبعة بالأمل، ذلك يحتاج إلى شيء آخر أكثر عمقاً، يتعلق ببناء الإنسان ثقافياً وحضارياً وروحياً. الرواية خاضت هذه التجربة بنصوص محلية، ولكن بنظرة عامة، مس المجتمع العربي في كليته لأنه يتشابه، والخلافات ليست جذرية.