الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لعنة المظلوم.. فلسفة الشر واللذة

يميل البعض إلى الاطمئنان نحو الشعور الخفي بالمظلومية، ذلك لأنهم غالباً ما يصادفون في حياتهم من يتركون ندباً من الصعب تجاهلها. وفي كثير من الأحيان، يتوهم هذا البعض بأن التخلص من الجروح القديمة يحتاج إلى قوة غيبية خارقة تنتصر للمظلوم، بيد أن الواقع يثبت عكس ذلك أحياناً.

في رواية «جوستين» للكاتب الفرنسي الماركيز دوساد، تظهر البطلة «جوستين» وهي تتعرض لظلم لا يحتمل منذ مراهقتها، حين تجد نفسها يتيمة ومشردة ومحاطة بوحوش بشرية؛ إذ تبدأ رحلة حياتها في عالم مغرق بالسفالة والجنون. تتمسك البطلة بفضيلتها حتى الرمق الأخير من الحكاية، وعلى الرغم من عذاباتها التي لا تطاق وهي تتلقى شتى أنواع الأذى، يبدأ التعاطف معها بالخفوت لصالح النفور من طبيعتها، التي تميل إلى استحسان الشعور بالمظلومية، وذلك من خلال امتناعها عن مقاومة الانتهاكات المفجعة التي تمارس ضدها؛ حيث يشعر القارئ برغبة عميقة في صفع البطلة أثناء تعقب سذاجتها في اجترار انكساراتها التي لا تنتهي.

يتبنى الكاتب في هذه الرواية فلسفة الشر واللذة، التي يشعر بها الظالم حين ينتهك الفضيلة براحة ضمير. فقد كان دوساد كاتباً ماجناً إلى جانب عبقريته، يحاول الحط من قيمة الفضيلة لصالح قبح الشر وقوته. إلا أن الإنسان الذي يميل للخير بطبيعته، يستبطن خيطاً خفيفاً من شخصية «جوستين» في التواطؤ مع التعرض للظلم، فقد يفضل أن يكون مظلوماً على ألا يكون ظالماً.

وفي هذه الثنائية، دائماً ما يتوهم الإنسان بأنه بين خيارين لا ثالث لهما. فعادة ما يكون المظلوم تعيساً، لا تنام الأشباح في رأسه ولا تكف، بينما ينام الظالم بدوره هانئاً غير مكترث بالكوارث التي يخلفها وراءه.

هناك دائماً منطقة محايدة بين الظالم والمظلوم، هي ذلك المكان الذي يقرر فيه الإنسان أن ينتزع من جسده الأشواك بنفسه، حين يتخلى بأريحية كاملة عن شريط الذكريات المريرة، ليستبدلها بذاكرة جديدة.