الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الرّسائل في الرّواية

لنتفق منذ البداية على أن في كل رواية قلقاً وجودياً معلناً عنه، أو يمر بين السطور، ويستطيع القارئ أن يلمسه بقراءته الواعية. وهذا القلق شكل أساساً من أساسات النص، لكنه يطرح مشكلة التعبير.. بأي لغة سنتحدث عن ذلك ونتفادى جعل الرواية مجرد حامل لأفكار الكاتب؟

قد يمر ذلك عبر الحكي الخطي، أو قد يعبر من خلال الوسائط الرافدة للنص الروائي، منها فن الرسائل بوصفها نوعاً يمس جوهر الإنسان، ويعبر عن الغموض والتمزقات السرية التي تجسد عمق الإنسان والتباسه في الآن نفسه. السردية الكلاسيكية تهتم كثيراً بعمليات التوصيل. الرواية كيفما كانت، حتى أكثرها حداثة وشكلانية، تمر عبر فعل الحكي اليومي الذي يتأسس في القصة المفترضة أو الحكاية التي تشد انتباه القارئ المحترف والعادي المحب. ولكنه يمر أيضاً عبر الوسائط السردية التي تشكل ضرورة فنية بالخصوص بالنسبة للنص الإنساني العاطفي كالرسائل. ويأتي استعمال الرسائل للتعبير عن أعماق الإنسان في لحظة خوف ووجدان، يتم من خلالها حكي اليومي والخاص والعميق جداً.

قد تصبح الرسائل وسيلة تواصل وأيضاً وسيلة توازن تشعرنا بأن من نحب أو يعز علينا قريب جداً منا، ولو أن الوسائط الاجتماعية الحديثة اختزلت فعل الشوق (الذي كانت تجسده الرسالة) في الصورة إذ أصبح بإمكاننا أن نتحدث مع من نحب عن بعد، وكأنه على مرمى بصر. حاضر نراه في كامل حركاته وتحولاته، عن طريق المسنجر، الواتساب، الفيسبوك وغيرها. لكن غواية الرسالة وإن تراجعت وجودياً، في الواقع الموضوعي، فهي في النص الإبداعي والروائي تحديداً، لم تفقد مبرر وجودها اللهم في الرواية الافتراضية التي يريد أصحابها أن يوصلوا كل شيء عبر الكتابة والصورة، فيستندون على الفيديو والصورة والخطابات المباشرة، لدرجة أن تفقد الرواية هويتها.. من كتبها؟ من صاحب الفيديو؟ من المصور؟ وما الخطاب؟


الشخصية الروائية عندما تكتب للآخر، فهي في النهاية تكتب أيضاً عن نفسها، عن أزمتها الوجودية العميقة، بحثاً عن أي توازن. الرسالة بوصفها ذاتاً لغوية، ترسم الحالة الداخلية لكاتبها في الحياة الموضوعية أو الافتراضية. وحتى لا تذوب في السرد، أصبحت تكتب في النص مفصولة من الناحية التقنية، باستعمال الخط المائل بالنسبة للرسائل، وهي تقنيات بصرية تخفف من جهد القارئ.


إذا كان السرد جسد الرواية، فالرسائل روحها العميقة التي تقول كل شيء من عمق الروح الغامضة والمظلمة. وتصبح الرسائل سنداً حقيقياً لاكتمال النص الروائي تعبيرياً، بالخصوص عندما يريد الكاتب التعبير عن الإنسان في كليته.