الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

فؤاد عزب.. أيقونة إنسانية استثنائية

من قال إن الموت غياب.. بالموت يزداد البعض حضوراً وتفوح سيرتهم عطراً، أسبوعٌ على فراقه، وأعجز أن أكتب عن سواه، وقد كان نسيجاً فكرياً وروحياً من نوعٍ خاص، تجافيك الحروف وأنت تكتب عنه بعد أن كتب الموتُ السطرَ الأخير في حياته، وترجّل عن صهوة منبره إثر عملية جراحية في الولايات المتحدة.

فؤاد عزب.. لمن لا يعرفه، صوتٌ صادقٌ وقلمٌ دافق، كاتب استثنائي، ناسك في محراب البلاغة، اعتدنا على نفحاته الأدبية كلّ أربعاء عبر إطلالته الأسبوعية في جريدة عكاظ السعودية، التي أورثها أكثر من 700 مقال على مدى سنوات طوال. فمن أراد أن يستقي من دروس الحياة مجتمعة وصادقة، مكتملة وأمينة، نابضة بالحياة حلوها قبل مرها، فليتصفح تلك المقالات الزاخرة بتجارب إنسانية ودروس حياتية قلّما تجود بها الأقلام.

إن أردت صورة صادقة لمسيرة إنسان، وتأملات عابر سبيل وملاّح عتيق، هجر ما تعلم إلى التمتع بما أحب، فأنت لا شك في حضرة فؤاد عزب، فقد كان أحد عرابي إنشاء وتجهيز المستشفيات لأكثر من 40 عاماً، حيث حصل على الدكتوراه في مجال إدارة المستشفيات من جامعة كانساس سيتي الأمريكية، كما حصل على البورد الأمريكي في الإدارة والتخطيط الصحي من الجامعة نفسها.


وخلال الشهرين الأخيرين من حياته، وكأنه كان يستشعر اقترابه من ميناء الوداع، فقد حرص على إرسال رسائل قلبية أسبوعية عنونها «من الفؤاد» كلماتها تشفيك، وأحياناً تُشقيك، نذكر منها لمحات، كافية أن تطلعنا على هذه الأيقونة الإنسانية الاستثنائية، ففي رسالته الأولى يقول: «يبشرك الله بالفرح بعد أن كدتَ تيأس.. ثم يأتيكَ فرج الله وتتبدل أحوالك.. ما أحزن الله عبداً إلا ليسعده.. وما ابتلى الله عبداً إلا لأنه يحبه.. فالحمد لله دائماً وأبداً». وتأتي الرسالة الأخيرة مكملة للقافية ومتممة لرحلته التي امتدت 69 عاماً: «لو كان بوسعي اليوم أن أمنحكم شيئاً واحداً، سأختار أن أمنحكم القدرة على رؤية أنفسكم في عيوني التي تحولت إلى بركة من الدموع حتى تعلمون مكانكم في قلبي».


ما زلتُ أذكر آخر لقاء معه قبل الجائحة، هاتفني من معشوقته «جدة»، متسائلاً: ما وحشتك يا صديقي؟ فأجبته بزيارة خاطفة، غمرني فيها بحفاوة الترحيب، وكأنه أراد وداعاً مبكراً.

هكذا هم النبلاء.. يرحلون، ويبقى طيفهم ملء الفكر والفؤاد، وأثرهم حاضراً أقوى من الغياب. كم سأفتقدك أيها الفؤاد العذب..!