الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الحبار والموت.. لعبة الجبابرة

أنجح مسلسل في تاريخ منصة نتفليكس، هكذا تم تصنف مسلسل «لعبة الجبار» رسمياً، وبهذه الدعاية أيضا لا يزال رصيد المسلسل يرتفع، ولا شك أن المنصات التلفزيونية صارت تسحب بساط الجاذبية من شاشات السينما والفضائيات معاً، نتيجة التنوع في الطرح والإنتاج الجيد. الأمر الذي يبشر بحقبة استثمارية جديدة في مجال إنتاج الأعمال الفنية.

كثيرة هي الأسباب التي يمكن بها تفسير النجاح غير المسبوق للمسلسل. أحدها جاذبية المجتمع الكوري البعيد عن كثير من المشاهدين. إنه مجتمع متعدد، تعاني فئة كبيرة فيه من الفقر والمشكلات الاجتماعية. لكنه مجتمع هادئ ومتماسك تترسخ فيه القيم الأسرية والإنسانية. وهذه الفئات حين تخوض صراعاً مع الحياة فإن المواجهة مع القيم المترسخة تكون أقسى فصول الصراع. السبب الثاني هو العبقرية اللافتة التي أظهرها المسلسل في خلق التوازنات المتعددة بين البيئة الواقعية وبيئة الألعاب. بين واقع الشخصيات وطموحاتها، بين قيمها واختياراتها.

أمام قسوة الموت ووحشيته، وجد المشاركون في اللعبة أن الديون التي تورطوا بها في حياتهم، هي حكم إعدام لن تختلف نتيجته عن نتيجة فشلهم في أي لعبة قاتلة. ولكن الصدمة التي انجرفوا فيها أن نتائج الألعاب التي عادوا إليها كانت لا تتوقف عند موتهم، بل يتطلب أحيانا قتلهم لشركائهم. لقد صار جميع المشاركين على اختلاف فئاتهم قتلة. وأخذت معنوياتهم في التمزق.


أمام كل لعبة قاسية، يمنح المسلسل المشاهد وقتاً كافيا للتأمل في خيارات اللاعبين وطرح الأسئلة التي يعانون منها. هل كنت ستقتل زوجك أو أخاك أو صديقك إذا تطلبت اللعبة ذلك؟ هل كنت ستضحي بنفسك كيلا تتورط في قتل الآخرين؟ ما هي قدرتك الذاتية على الاستمرار في القتل؟


ويحمل المسلسل في نهايته مفاجأة مدوية، وهي أن المنظمين للعبة هم مجموعة من كبار السن فاحشي الثراء الذين حصلوا على كل شيء، ولم يعودوا يشعرون بقيمة شيء. لذلك اخترعوا هذه اللعبة وحولوا البشر إلى مجموعة من الأرقام التي لا هوية تعرفها، ولا قيمة لها إلا في لعبة المراهنة. إنها رمزية قاسية لكيفية تعامل الرأسمالية مع الفقراء والمطحونين.

قدرة لمسلسل على التأثير على المشاهد دون رفع درجة توتره. والشلال الكبير من الدماء الموظف بما لا يحيل إلى حالة عنف صاخبة. ومستويات الصراع الداخلي والخارجي الذي واجهته الشخصيات والمشاهدون يجعل من مسلسل «لعبة الجبار» علامة فارقة بحق. إنه يمثل أسلوبا مختلفا في البناء والإخراج والأداء الرفيع وفي الإبهار البصري. وفي منطق طرح الأفكار والقيم.