الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

النص المفقود من حكاية جين أوستن

النص المفقود من حكاية جين أوستن

شهد الراوي.

كتبت جين أوستن أولى رواياتها وهي في الـ15 من عمرها، وعلى طول مسيرتها الإبداعية، لم تكتب رواية واحدة غير ناجحة بحسب فرجينيا وولف، التي وصفتها بأنها «أكثر المبدعات أصالة بين النساء».

فبعد أن أخذت شهرة جين بالانتشار، قررت كاسندرا أوستن في لحظة حمقاء، أن تحرق كل أوراق أختها الصغرى التي توفيت في الـ41 من عمرها. وتركت لنا أعمالها الأدبية فقط، وحرمتنا من معرفة حياة تلك الفتاة الموهوبة، التي عاشت قصة حب واحدة مخيبة للآمال.

وعلينا أن نجمع أطراف هذه القصة من رواياتها ذات النكهة الطريفة بسخريتها، وليس من الشائعات التي دارت حول حياتها، فماذا يمكننا أن نتعلم من جملة قالتها صديقة للأختين «إنهما ألطف وأغبى صائدات أزواج متكلفات عرفتهما في حياتي» ونحن نستطيع أن نعرف ذلك من رواية (كبرياء وهوى) و(إيما) و(حب وصداقة).

فإن العثور على الزوج المناسب كان يمثل الهم الأول لحياة النساء البريطانيات في القرن التاسع عشر، لأن الحياة كانت محدودة، والقرى متباعدة، والفصل الطبقي يرسم حدوده بعجرفة تمنع التداخل.

والمهم في الأمر، هو كيف استطاعت فتاة مراهقة أن تكتب رواية عظيمة وتعيش معنا أكثر من 200 سنة؟

تقول فرجينيا وولف: «كأن جنية طارت بها منذ ولادتها وجابت بها الآفاق ثم عادت بها إلى مهدها» وصدقت فرجينيا، لأن كاتبة في هذا العمر، تستشهد بشكسبير وهوميروس وملتون، في روايات تتحدث عن الحب، والصداقة، والخيانة، والخداع، والمكر، والنبل، لهي عبقرية بكل معنى الكلمة، وربما كان الفيلسوف جورج هنري لويس محقاً حين وضعها بمرتبة شكسبير وسرفانتس وغيرهم.

وكانت المراهقة جين أوستن تكتب رواياتها لإخوانها السبعة وشقيقتها الوحيدة، وربما لصديقاتها في المدرسة، اللواتي يسخرن من قصصها (لأن فتيات الـ15 ربيعاً يضحكن دائماً، ولكنهن يبكين في اللحظة التالية)، غير أن القراء وعلى مدى أكثر من قرنين ظل يغمرهم الشغف بمعرفة من تكون تلك الفتاة العابثة؟!

فتاة لم تتنازل عن سخريتها مجاملةً لأحد، ولم يهمها سخرية أقرانها منها، لأنها جزء من ذلك المجتمع والتقاليد والتمثيلية الهائلة التي يتورط فيها الناس، حتى أن قصّتها الشخصية أفلتت نفسها من مسائلة التاريخ، بكبرياء ساخر لا يليق إلا بروائية تعرف جيداً أن الأدب هو القارب الوحيد للنجاة من الغرق في التفاهات.