الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

في رثاء أستاذي..

غيّب الموت أستاذي وزميلي السابق ومربّي الأجيال البروفيسور سيّد إحسان الرحمن عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد أن قضى 40 سنة في خدمة اللغة العربية تدريساً وتأليفاً وتوجيهاً للطلبة والباحثين؛ منها 36 سنةً في قسم اللغة العربية بجامعة جواهر لال نهرو، بنيو دلهي.

كان من المؤسسين للقسم، وعمل بكل إخلاص على مدى حياته على ترقية القسم وتقويته إلى أن برز القسم كأحد أفضل أقسام اللغة العربية في الجامعات الهندية، وأحيل إلى المعاش عام 2010، وتولّى منصب مدير مركز مولانا أبي الكلام آزاد الثقافي بالقاهرة التابع للسفارة الهندية (1996-1999)، كما تولى رئاسة مجلة «ثقافة الهند» المرموقة الصادرة عن المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، وزارة الخارجية الهندية، ومنح وسام الشرف والتميز على خدماته المبهرة للغة العربية وآدابها من قبل فخامة رئيس جمهورية الهند.

تلقينا النبأ أن أستاذنا الأثير أصيب بنوبة قلبية وأدخل على إثرها في مستشفى قريب من بيته في مدينة غوروغرام لصيقة بنيودلهي ليخضع لعملية جراحية، ثم جاء الخبر الذي نزل علينا كالصاعقة أنه سلّم روحه إلى بارئه، وكأنّ الدنيا أظلمت أمام عيني، وخيمت سحابة من الحزن العميق في المحيط الثقافي العربي بالهند، فقد علّم وربّى مئات الطلبة خلال مشواره الطويل في مهنة التعليم، وهم الآن يتبوؤون مناصب علمية وإدارية مرموقة في الهند وفي الخليج العربي، وخصوصاً لأنه اشتهر كمعلم مثالي شديد الإخلاص والانضباط في تعليم الطلبة، حريص دوماً على نصح الطلبة ونفعهم بأقصى قدر ممكن بما لديه من علم وخبرة.

أقيمت على وفاته لقاءات عزاء وتأبين افتراضي وحضوري في عدد كبير من الجامعات الهندية، عبّر فيها المشاركون من الأساتذة والباحثين والموظفين وأغلبهم من طلبته، عن حزنهم العميق على هذه الخسارة العلمية الكبيرة في المحيط الثقافي العربي الهندي.

نعى اتحاد أساتذة جامعة جواهر لال نهرو في بيان له أن الجامعة خسرت أحد الأساتذة المؤسسين الذين لعبوا دوراً كبيراً في ترسيخ مكانة الجامعة كجامعة متميزة.

ما ميّزه عن الآخرين هو إخلاصه الشديد لدوره كمعلم مثالي، فالمعلم عنده هو المربي وهو المرشد، وهو المثل الأعلى أمام الطلبة في الانضباط، والإخلاص، والشعور بالمسؤولية، وأداء الواجب المنوط به، فيجب أن يكون نفع الطلبة من عمله ومحاضراته هو غايته وأولويته ولا غير، فلا يقصر في أداء واجبه كمعلم، يحضر الفصول الدراسية في الموعد، ويحاضر في الموضوع فقط، ويسعى دائماً إلى نفع الطلبة من علمه.

لقد وجدناه مؤخراً يحزن كثيراً على تردي مستوى التعليم بسبب تغير أولويات بعض الأساتذة الذين يشغلون أنفسهم بأنشطة كثيرة على حساب التعليم، بتقصيرهم في أداء واجبهم الأول والرئيس يرتكبون الخيانة الكبرى بحق الطلبة.

وانطلاقاً من حرصه الكبير على تيسير تعليم العربية لغير الناطقين بها، ألّف عدداً كبيراً من الكتب التي نالت قبولاً واسعاً في الهند وخارجها، ومنها «الجديد في اللغة العربية»، وTeach yourself Arabic، كما ترجم عدداً من كتب التراث الهندي إلى العربية، وترجم «حياتي» السيرة الذاتية لأحمد أمين وكتباً أخرى إلى الأردية، ويتجاوز عدد مؤلفاته ما بين مترجم ومؤلف 20 مؤلفاً.