الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مقتنياتنا.. وفرضية النفايات - «الجزء الثاني»

لاقت تساؤلاتي في مقالي السابق «مقتنياتنا.. وفرضية النفايات» صدى لدى الكثير من القُرّاء، وأكثر ما فاجأني عبارة وردت إليّ كهذه: «كأني كنتُ في غفلة تامة»! التساؤلات حول مصير مقتنياتنا الخاصة جداً، أثارت المزيد من علامات الاستفهام، ودفعت بالبعض إلى إعادة النظر في جدولة أولوياته، والبعض الآخر استشعر إشارة «لفت الانتباه» للكثير مما يملكه ويتحفظ عليه وربما بقي طي التخزين والنسيان، والبعض تفكّر في الميزانية التي ينفقها في تجميع سلع استهلاكية يمكن توفير أثمانها في مشروع خيري أو تخصيصه لخطة ترفيه أكثر متعة وفائدة، كالسفر وحب الاستكشاف وغيرها من الأفكار المُجدية.

الحقيقة أني سعدت بردود الأفعال على تساؤلاتي المقلقة، وبقدر ما بددت مخاوفي وحزني، إلا أنها فتحت لي أبواباً لخيارات متعددة، وأفكاراً جديدة أكثر ديناميكية، سواء في كيفية التصرف في «منمنماتي الخاصة» أو في إعادة توجيه أولوياتي الاستهلاكية وغير الاستهلاكية.

علينا أن نتخفف من أحمالنا الدنيوية الثقيلة؛ أن نستمتع برحلة العمر قدر الإمكان لا بنَهم التملّك والاستحواذ!

ربما فكرة أن «تستباح» أشياؤنا الخاصة بعد أن نفقد جميع صلاحياتنا في التملّك يُعدّ أمراً مرعباً إلى حد ما، فما كنت تتحفظ عليه وتستملكه وتتمتع به وحدك، قد يصبح في يد أخرى ربما لم ترغب يوماً في أن تُصافحها! فلماذا لا يحدث هذا باكراً وبملء إرادتنا ورغبتنا، ومرأى أعيننا، وملء رضا قلوبنا؟! موضوعية المقال، ربما فتحت أبصارنا على هيستريا الاستهلاك التي نغرق فيها ليل نهار، وربما جعلت البعض منا يعيد اكتشاف أدراجه الخاصة، بل ويستعيد اكتشاف ما يمتلكه وما عاد يذكره، ويكتشف ما تحوي مستودعات منزله من جديد، وما يتحفّظ عليه وما عاد يصلح له، وما استحوذ عليه بسبب نزعته الاستحواذية للأشياء، وربما استذكر من هم أولى بها منه وأحق فيها! أقل ما يمكن أن يستثير القارئ ويستشفّه من تساؤلاتي، هو أن يُوقظ ذاته ويسعى لتحفيزها على مهارة الاستغناء قدر الإمكان، وأن يتيقن تماماً بأن متعة العطاء أجمل وأرقى وأثمن من فكرة الاستحواذ والتملك والتحفظ على الأشياء، وبالمقابل عليه أن يستمتع بما يمتلك ولا بأس ولا ضير من أن يشاركنا الآخرون ذات المتعة في ذات الأشياء- إن أمكن لنا ذلك- ولا بأس من أن ننقل ملكية بعض ما نملك للغير إن كانوا يستحقونها ويعرفون قيمتها ويشاركوننا ذائقتها ومزاجنا فيها، أما الأجمل هو أن نتخفف من أحمالنا الدنيوية الثقيلة؛ أن نستمتع برحلة العمر قدر الإمكان.. لا أن نستهلكها في نهم التملّك والاستحواذ.