السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أصحاب ولا أعز

بداخل كل إنسان صناديق مقفلة، يخفي بداخلها أسراراً تتعلق بجوانب معينة من شخصيته، ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها.. حتى أقرب الناس إليه.

يحدث أن يخفي بداخل بعضها أسرار، وبمرور الزمن ينساها.. لذلك من السذاجة بمكان أن يقول الواحد منا إنه يعرف الآخر جيداً، لأن حتى هذا الآخر لا يعرف نفسه جيداً.. ويحدث كثيراً أن ينفجر الحليم غضباً في وجه أحدهم، ويتحول فجأة إلى وحشٍ كاسر.. يرغي! ويزبد.. وبعد أن يهدأ، يتساءل: «هل أنا من فعل ذلك.. هل أنا من قال ذلك؟».. وكأنه يعترف في لحظة مكاشفة مع الذات، أنه كان يجهل هذا الجانب من شخصيته، ولا يعلم بوجوده.

كل هذه الأمور طبيعية وموجودة في معظم البشر، ومن يدعي أنه واضح كالشمس، ربما يكون الأكثر غموضاً في الحقيقية، ومن يتظاهر دائماً بالمثالية، ربما يكون الأبعد عنها في الواقع.. فكم فاجأتنا الأيام بأفعال مشينة، صدرت من أشخاص كنا نعتقد من فرط طيبتهم أنهم ملائكة.

الحرية ركيزة الفن، لكن عندما يتعلق الأمر بالأمن الاجتماعي، والاستقرار الأسري، فلا تحدثني عن الفن، ولا الحرية

في فيلم أصحاب ولا أعز، المقتبس من فيلم إيطالي بعنوان Perfect Strangers حاول المخرج تسليط الضوء على هذه الإشكالية النفسية العميقة، ورغم عدم ملائمة الأفكار الواردة فيه لمجتمعاتنا العربية، فإن النفس البشرية واحدة، وما يدور في مخيلة الإنسان الإيطالي، لا يختلف كثيراً عن ما يدور في مخيلة الإنسان المصري أو اللبناني أو المغربي أو السعودي.. لكن الفرق أن الأوروبي لديه القدرة على التصالح مع ذاته أي كان نوعها، أمّا العربي، فليجأ غالباً إلى التماهي مع محيطه الاجتماعي خوفاً من النبذ.

الفيلم بالنسبة لي كان مملاً، وغير متقن.. لأنه استورد قوالب أوروبية جاهزة، وحشر فيها شخصيات عربية، تختلف عنها في الدين والثقافة والقيم، فجاءت الأحداث مفتعلة، والحوارات غير مقنعة، وبدا أن المخرج مهتم بتوصيل الأفكار المفروضة عليه بأي طريقة ممكنة، بصرف النظر عن السياق الذي تقال فيه.

لا أحب الخوض في النوايا، لكن ما سمعته من حوارات في الفيلم لا يبعث عن الطمأنينة، ويدل بشكل أو بآخر على وجود أجندة خفية شغلها الشاغل زعزعة استقرار الأسرة العربية، وذلك من خلال الترويج لممارسات محرمة دينياً، ومرفوضة اجتماعياً.. مثل الحرية الجنسية، والمثلية، والعلاقات المفتوحة.

أعلم جيداً أن الحرية ركيزة الفن، وبدونها لا تقوم للفن قائمة.. لكن عندما يتعلق الأمر بالأمن الاجتماعي، والاستقرار الأسري، فلا تحدثني عن الفن، ولا الحرية.