الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

خدعوك فقالوا.. لقمة هنية تكفي 100

أكذوبة شعبية.. ومثل ضل طريقه في الوصول لعقول الناس، إذ لا يصدق الناس سوى ما يشعرون به ويتفاعلون معه في واقعهم المعاش، والأغرب من ذلك أن هناك مئات الأمثلة المشابهة والتي تحمل طابع المثالية الأفلاطونية في الحياة وهي أبعد ما تكون عن الواقع.

ولتدرك إلى أي مدى يكذب عليك هذا المثل، تخيل نفسك وأنت في قمة جوعك ومعدتك خالية تماماً وتعزف كل سيمفونيات الخواء، وأنفك يلتقط كل روائح تحمير وتشمير الجيران والمحلات والمطاعم المحيطة، ثم جلست تمني نفسك بوجبة طعام دسمة وساخنة ستتناولها في طريقك للبيت، وبعد أن قرأت المنيو المثير، والأصناف الـ +18 اخترت أكثرها لذة ودسامة ومعها مشروبك البارد المفضل، وجلست تنتظرها كالذي يقف على قدميه ساعة كاملة في صالة الوصول في انتظار طلة وجه حبيبته المسافرة بعد غياب.

وفي ثانية تنهار كل أحلامك الجميلة، وتتلاشى كل خيالاتك اللذيذة، حين تجد من يربت على كتفك، وتلتفت له فتجده صديق طفولتك القديم، الذي لا مكان ولا وقت له في ظل هذه اللحظة الراهنة حتى وإن حمل معه ملايين المشاعر الإيجابية وبالونات النوستالجيا السعيدة وذكريات المرح اللانهائية.

أول سطر في المادة رقم 6 من «قانون الاستمتاع بالطعام» تنص على التالي: اللقمة الهنية تكفي فرداً واحداً فقط

ما الذي أتى به في هذه الساعة؟! ولماذا يبتسم بهذا الاستفزاز؟! وكيف لا يكتفي بضربي في مقتل بهذه الهجمة البراشوتية ثم يختبر ذاكرتي الآن ويقول لي: ألا تذكرني؟!

ثم يأتي رقمك وأوان استلام وجبتك التي ظللت تحلم بها وتمني معدتك الخاوية بأول لقمة تضيء في قاعها المظلم، هنا أنت أمام لحظة تتقاتل من أجلها الأوطان، وتتصارع في سبيل اجتيازها الدول، ولا تقل لي: كن كريماً سخياً وادع صديقك كي يشاركك طعامك!

بل كن أنت صريحاً مع نفسك وأخبرني: إلى أي مدى تريد الآن أن تقصف صديقك الحميم بمدافع الهاون أو أن يحالفك كرم السماء ويناديه أحدهم من الشارع ليخبره أن سيارته الراكنة صف ثان قد حملها (ونش) المرور وعليه أن يذهب لاستلامها من قسم الشرطة.

وكون الشعوب العربية قد دأبت على الكرم والترحاب وتضع من أمثلة الطعام ما لا يقبله الواقع، فهذا لا ينفي أن أولئك البشر المتطفلين الذين يهبطون عليك من السماء وقت الطعام، لا مكان ولا وقت لهم، وإلا فسوف ترقص كل الأطراف على السلم لا أنت ستشبع ولا ضيفك الذي هجم عليك سيشبع.

ولن نبرح تلك السطور قبل ذكر ذلك النوع الخطير من الهجامين وقت الطعام، ذلك الشخص الذي غالباً ما يكون زميلك في العمل، وتخبره مراراً وتكرارا قائلاً: أنا سأطلب الغداء ديلفري هل تريد شيئاً؟ فيرفض الفكرة شكلاً وموضوعاً، ثم تجده وقت وصول عامل الديلفري أول القافزين من مقاعدهم، ويبدأ في الحوم حولك مدعياً أنه يبحث عن أوراق أو ملفات، حتى يباغتك بقوله: ما هذه الرائحة؟!... دعني أتذوق؟