الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

العطاء المغبون.. ومكامن العلّة !

«هل أسأنا لهم دون أن نشعر؟!»، كان عنوان مقالي قبل أسبوعين، ولأني لم أستطع تجاوز كم التعقيبات التي وردتني حتى أول من أمس، من أخوات، ربما قرأنه متأخراً، إثر فسحة استرقنها لأنفسهن كهدنة قصيرة من ماراثون الحياة اليومي. جاءتني الردود بين مكتوب ورسائل صوتية لم تخلُ من حشرجة غالبتها لوعة، أو وجع دفين؛ وكأني نكأتُ جرحاً طريّاً لم يبرأ منذ زمن!

مجمل الآراء اتفقت على رأي كنتُ قد ضمنته مقالي الفائت، وهو أن أبناء اليوم فيهم «سمات تنمر ما»، وأن كان موارباً، أوعائماً، إلاّ أنه قد اتخذ صبغة الشرعنة الأُحادية من جانب الأبناء، كالعقوق، والتطاول على أحد الأبوين وكأنه سلوك طبيعي، يجب تقبله تحت مسوّغ «التربية الحديثة»، ومن حق الأبناء اتخاذ مسلكهم الخاص للتعاطي مع آبائهم للحصول على حقوقهم!

عزا البعض انحدار الأبناء السلوكي الذي أضحى من سمات جُل الأجيال الصاعدة، إلى ضعف الجانب الديني لديهم

هنالك مثل شعبي يقول: «أدعي على ولدي وأزعل على اللي يقول آمين!»، وهنا تكمن العلّة، ولا بد من الإقرار بها، فهناك غبن يكبر في صدر الأمهات تحديداً، سوّغ لنفسه بنفسه أمام أنظارهن بلا مقاومة، ولا سيما حينما يتيّقن الابن مدى ضعف سلطة الأم، أو من حتمية رضوخها له مهما استطال الخلاف أو النقاش معه، خاصة حينما تكون أماً حاضنة، ليبدأ في عملية ابتزازها عاطفياً، ومن ثم فرض أسلوبه في التعاطي معها، أو فرض رأيه في كل شؤونه!

عزا البعض انحدار الأبناء السلوكي الذي أضحى من سمات جُل الأجيال الصاعدة، إلى ضعف الجانب الديني لديهم الذي خلخل بدوره الجانب التربوي فيهم، فضلاً عن غياب القدوة، الاجتماعية، المؤثرة، الحقيقية، وتأثير الميديا أو الوسائط المتعددة في تشكيل البناء الأخلاقي والثقافي والقيمي على الأسرة عامة والأبناء خاصة، والبعض ذهب إلى تحليل إكلينيكي بحت، كمن يحاول أن يجد تفسيراً لهذه الظاهرة الشائعة بين الأجيال الصاعدة لكي يستريح؛ من تنامٍ غير مسبوق لظاهرة التنمر داخل الإطار الأسري، وعدم الانضباط السلوكي، وعدم احترام السلطة الأبوية، فعزاه لطبيعة ونوعية الأغذية المُصنعّة التي يستهلكها ليلاً نهاراً، والتي تحتوي على السكريات العالية والمواد الحافظة والتي قد تلعب دوراً كبيراً في التغييرات الهرمونية والطفرات السلوكية غير الطبيعية، ومنها حدة الطباع، وفرط الحركة، أو العدوانية، والتنمر، واللامبالاة، والأنانية!

وحتى دراسة ومعالجة هذه الظاهرة النافرة اجتماعياً، ربما سيكون مشروع «العائلة الممتدة»، الأصيل، متعثراً، في مسيرة بنائنا التنموي، الحضاري، الأسري، طالما بقي «الانسلاخ الوجداني الإنساني» متجذراً في نفوس أبناء جيل يعوّل عليه كثيراً في تكملة مسارات التنمية الحضارية!