الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

صديقي الخمسيني

سألت صديقي المتقاعد منذ ثلاث سنوات: لماذا تكثر السفر إلى البندقية؟

فأجاب، وابتسامة خفيفة تعلو محياه: أقضي في البندقية يومين فقط، وأغادر بعدها إلى فلورنسا، ولن تصدقني لو قلت لك إني أقصدها من أجل مقهى عتيق، أجد راحة نفسية عميقة في الجلوس فيه، وتأمل الحياة من حولي.. خصوصاً في ساعات الصباح الأولى، والناس تغادر بيوتها للتو.

صديقي الخمسيني ذكي في اختيار وجهة وتوقيت السفر، فعندما يعود الناس من أسفارهم وينخرطون في أعمالهم.. يسافر هو إلى مدينة هادئة غير معروفة كثيراً على خرائط السياح الخليجيين، وعندما يسافر، لا يقصد المعالم الشهيرة التي يقصدها السياح بكثافة، وإنما يعيش حياة بسيطة، كالتي يعيشها الأهالي في أيامهم العادية، وهذا هو المعنى العميق للسفر –من وجهة نظري– أن تغير نمط حياتك لفترة مؤقتة، وتعيش كما يعيش أهالي المدن التي تزورها.. ترتاد المقاهي التي يرتادونها، تأكل من الأطعمة التي يأكلونها، تستخدم وسائل المواصلات التي يستخدمونها.. هكذا تكسر الروتين، وتشعر بالتغيير الذي ارتحلت من أجله، وتعيش حياة جديدة مغايرة عن الحياة التي اعتدت عليها، فتشعر بمتعة السفر.

في جميع حواراتي مع صديقي كنت ألحظ سلامة المنطق الذي ينتهجه، وقوة الحجة التي يستند عليها

يقول صديقي: «لا أجد أي متعة في زيارة المتاحف الكثيرة التي تزدحم بها دولة ما وذات تاريخ مثل إيطاليا.. وعندما زرتها في بدايات استكشافي لمدنها، لم أفهم سر توقف الزوار لفترات طويلة أمام لوحات وتماثيل معينة.. وكنت أشعر بالحرج جراء ذلك، وأظن أنه يعطي انطباعاً سلبياً عني، كوني غير ملم بتفاصيل الجمال والإبداع في هذه المقتنيات الثمينة، لكن بمرور السنين، وتراكم الخبرات.. أدركت أن اهتمامات الناس ليست واحدة، وأن ما يهم غيري، ليس بالضرورة أن يهمني أنا.. وأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين في ميولهم واهتمامهم، وليس من العيب أن يستقل الإنسان بميوله واهتماماته.. حتى، وإن لم يعرها الآخرون أي اهتمام».

سألته ذات يوم:

هل سبق أن بذلت جهداً لتفهم مكامن الإبداع والجمال في الأعمال الفنينة بشكلٍ عام؟

رد يومها على الفور: ولماذا أفعل ذلك، إذا كنت لا أملك الشغف، ولا حتى الرغبة في معرفتها؟

في جميع حواراتي مع صديقي الخمسيني كنت ألحظ سلامة المنطق الذي ينتهجه، وقوة الحجة التي يستند عليها، وأميل تلقائياً لموافقته على قناعاته، وها أنا اليوم، أسير على نهجه، وأحرص على تصميم برامج سفري بما يناسبني، بصرف النظر عما اعتاد عليه الآخرون.