السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

علاقتنا بالبنوك

منذ طفولتي وأنا أنظر للسينما على أنها مصدر مهم للمعرفة، كيف لا، وأنت تنفتح من خلالها على ثقافات أمم وشعوب من جميع قارات العالم وتدخل إلى بيوتهم، وتقترب من أدق تفاصيل حياتهم.

لا أزال أذكر تلك الليلة التي شاهت فيها فيلماً يظهر فيه رجل أربعيني وزوجته يجلسان حول طاولة مستديرة، ومعهما مستشار مالي تابع لأحد البنوك، وكان الحوار بينهم حول أدوات الاستثمار التي يوفرها البنك لعملائه، ومعدل الفائدة في كل أداة، واحتمالات الربح والخسارة، والمدى الزمني للاستثمار، وتفاصيل أخرى كثيرة لم أكن على اطلاع عليها.

في تلك اللحظة العابرة، تشكل في ذهني سؤال كبير:

لماذا تنحصر علاقتنا بالبنوك في إيداع الرواتب والسحب منها، والاقتراض كلما دعت الحاجة؟

بعدها بأيام قليلة اتصلت بالبنك الذي أتعامل معه، وحجزت موعداً مع موظف يحمل مسمى «مستشار ثروات»، وهو -كما علمت من خلال المكالمة- المختص بشرح أدوات الاستثمار المتاحة.

خالجني إحساس جميل، وأنا أرى الرسائل النصية تشير إلى نزول العوائد الشهرية في حسابي الاستثماري

جاء موعد الاجتماع، ودار بيني وبين موظف البنك حوار يشبه إلى حد كبير الحوار الذي دار في الفيلم، وبعد قرابة 40 دقيقة من طرح الأسئلة وتلقي إجابات تفصيلية عليها.. حددت الأداة التي تناسبني، والمبلغ الذي أرغب بالاستثمار فيه.. وكانت الخطوة الأولى لي في هذا المجال، وبعدها بسنتين تقريباً.. جاءت الخطوة الثانية، باختيار أداة جديدة واستثمار مبلغ آخر فيها.

ما دفعني لكتابة هذه التجربة التي قد تبدو عادية جداً في نظر البعض، ويقوم بها آلاف وربما ملايين البشر يومياً.. هو ذلك الإحساس الجميل الذي يخالجني، وأنا أرى الرسائل النصية التي تشير إلى نزول العوائد الشهرية في الحساب الاستثماري المخصص لها، والتي تمثل رافداً مهماً لمصادر دخلي الأخرى.

إحساس مريح، تمتزج فيه مشاعر السعادة والطمأنينة والرضا عن الذات، وهي مشاعر لا يستغني عنها أي فرد، خصوصاً في هذا الزمن المليء بتحديات البطالة والتضخم والارتفاع المتواصل في الأسعار.

أثناء زياراتي الدورية للبنك، ألمحُ عملاء من مختلف الجنسيات يترددون على الغرفة ذاتها التي اجتمعت فيها مع المستشار، يجلسون على الطاولة الدائرية ذاتها، وللأسف القليل منهم ينطق بلساني ولهجتي.

هذا العزوف الاختياري في رأيي له عدة أسباب، أهمها: ضعف ثقافة الاستثمار.. والنزعة الاستهلاكية التي طغت على السلوك الإنفاقي للفرد، خصوصاً مع شيوع استخدام السوشيال ميديا، ورغبة البعض في محاكاة أنماط معيشة تفوق قدراته المادية.. وأخيراً الخوف من الخسارة.. وكلها أسباب تستحق النظر فيها، لكن ليس لوقتٍ طويل.