الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

تسمية الأمور بمسمياتها

كثيراً ما نتحاشى أن نسمي الأمور بمسمياتها لأسباب عديدة منها مراعاة مشاعر الآخرين حتى لا نحرجهم أو نجرحهم، أو خشية من ردود الفعل نتيجة تجرئنا لنسمي الأمور بمسمياتها، أو حرصاً منا على مصالحنا أو مصلحة الآخرين، أو تغليب السكوت حتى يأتي الوقت المناسب لتسمية الشيء بمسماه.

والسكوت عن عدم تسمية الأمور بمسمياتها أحياناً قد يجعلنا عرضة بأن نُتهم بالنفاق والمداهنة أو أن نفقد مصداقيتنا، والبعض قد يفسره جُبناً أو غباء، وأحياناً القانون يوجب علينا أن نسمي الأمور بمسمياتها وأن لا نحور الحقائق.

وهناك مواقف لا تحتمل أن نتبع هوى النفس ونغض الطرف ولا نسمي الأمور بمسمياتها إذا تعلق بحقوق الآخرين الذين يكونون بحاجة إلى من ينصفهم بحكم عادل وأن يتم فيه تسمية الظالم والمظلوم.

البعض قد يكون غير مضطر لأن يسمي الأمور بمسمياتها لحياده أو لعدم وجود عقوبة تنتظره



كما أن دبلوماسية التجاهل لن تجدي نفعاً إذا أردنا التهرب بأن لا نسمي الأمور بمسمياتها لأن ذلك قد يوقعنا في دائرة المساءلة القانونية أو المساس بسمعتنا أو سمعة الآخرين، لا سيما عند مواضع الإدلاء بالشهادات أو عند تناول الحقائق العلمية والمعرفية التي يكون فيها من المحرمات عدم تسمية الأمور بمسمياتها.


والبعض قد يكون غير مضطر لأن يسمي الأمور بمسمياتها لحياده أو لعدم وجود عقوبة تنتظره أو لأنه في مأمن من أن تلاحقه لومة لائم فيستفيد من هذه الوضعيات التي أزالت عنه حرج أن يسمي الأمور بمسمياتها، ولكن رغم ذلك يقع البعض منهم تحت ضغط مبادئهم الأخلاقية التي تحدد بوصلة تسمية الأمور بمسمياتها أو تجاوز ذلك بإعطاء أنفسهم جرعات من المبررات المسكنة لضمائرهم.

وهناك من له عذره بأن لا يسمي الأمور بمسمياتها إذا لم يكن فيه ضرر ولا ضرار، أو تطبيقاً للقاعدة التي تقول بأن (درء المفاسد مُقَدم على جلب المصالح)، ولكن ما يولد الشكوك ويبث الريبة هو أن يتخذ سيئ النية ما تم ترخيصه من عدم تسمية الأمور بمسمياتها كمبرر لهضم الحقوق ومطية لإلحاق الضرر بالناس.

أما الذين يمارسون دكتاتورية الفكر على الآخرين فإنهم يمنعون من تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة، ولا يقبلون الاقتراب لتصحيح الأفكار الخاطئة أو المسمومة التي تحتويها بعض الكتب والتي خطها بشر يصيبون ويخطئون، وهؤلاء الدكتاتوريون يناقضون أنفسهم عندما يقبلون التناقضات التي تحويها تلك الكتب ولو تناحروا أو اختلفوا فيها، ولكن يرفضون أن يأتي معاصر ويسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة ليزيل تلك التناقضات.