الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

وصفة بلا طبيب..

هناك شعوب رغم ثقل أعباء حياتها والظروف المعيشية المربكة التي تعيشها يومياً، من أزمة إسكان وعشوائيات إلى ازدحام مدن وشوارع، وغلاء معيشي، إلا أنها تشعرك بأنها أفضل وأسعد حالاً منك، أنت الذي تعيش في مسكنك المريح، وتركب سيارتك الفارهة، وتتمتع بشبكة طرق متطورة، وتعمل في وظيفتك الإدارية ونسمات التكييف المركزي تُهفهف في وجهك صيف شتاء.

شعوب أصبحت مُصدّرة للطُرف والنكات والكوميديا، وإن كانت كوميديا سوداء، ولكن دائماً ما يوحون لك باتساع نافذة الحياة وطراوتها!

شعوب تشعرك بأن كل شيء سيمضي مهما عظُم في نظرك وثقل في نفسك؛ أولئك الذين لا يجدون ما يكفيهم لسد حاجات يومهم، أو ممن يفترشون العراء ويلتحفون السماء، ولكن ابتسامة الرضا تعلو محياهم، تلتقط خيط السكينة والاطمئنان واليقين بتدبير الله من مآقيهم، يشعرونك بالخجل من نفسك حينما تتعثر بظل أحدهم، يحرجونك بإستكانة أرواحهم وخفّتها، بشر يركلون تعب الحياة بالبسمة، ويقدّمون الطرفة على الدمعة، يستفتحون يومهم بها، ويستودعونها وجوه العابرين وكأنها بطاقات حظهم السعيد المجانية!

عندي يقين بأنّ كل ثغر لا يجيد الابتسام سيضمر مع الزمن حتى يتلاشى!

بينما حال بعض الناس، ممن يخرجون من بيوتهم بكامل أناقتهم وعطورهم، محمليّن بكل "إكسسوارتهم" الفارهة من السيارة إلى المحمول، والتي لا يستطيعون مواصلة يومهم دونها، يتناسون ابتسامتهم، وجوههم مكفهرّة، وكأنهم قد أضاعوا مفاتيح صدقتها والإحسان إليها، أو أنهم من مزدوجي المزاج أو المعتليّن بانفصام الشخصية، الذين يدخلون بيوتهم وكأنّهم يحملون على كاهلهم هموم الأمة، بينما تجدهم منفرجي الأسارير متى ما تخطّوا عتباتها؛ الواحد منهم تكاد ترى غدته الدرقية من فرط انبساطه مع الغرباء!


عندي يقين بأنّ كل ثغر لا يجيد الابتسام، سيضمر مع الزمن حتى يتلاشى!، فالبسمة وصفة سحرية لا تحتاج إلى طبيب، وقد تكون هي جل ما يحتاجه قلب مهموم شاء القدر أن يتعثر بظلك في أول يومه، وقد تكون غاية ما يطمح إليه طالب من معلمه لكي يجيب مطمئناً في اختباره، وقد تكون البشارة لقلب يائس، وروح فقدت شغفها في أمر تحبه، قد تكون كل ما يحتاجه الموظف من مديره، لكي ينجز ويبدع، قد تكون الإشارة الكونية لتبديل مسار بآخر أفضل منه!.


البسمة.. قد تكون كل ما يحتاجه زوجان لوصل ما انقطع بينهما، وتضميد كل الجراح النازفة بينهما، فبالابتسامة والكلمة اللينة نستطيع أن نحيي روحاً متعبة.. منطفئة، وتزهر مفازات الجدب فيها وروداً ورياحين من جديد!