الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

تجاوز العقبات.. خليفة والقصة

«أن يشعر الإنسان بأن السلطة عبءٌ عليه أو أنها متعته الكبرى وبأن تكون المسؤولية سداً يحاصره أو منبعاً لحريته، وبأن يحركه الآخرون وقواهم الخارجية أو بأن يكون هو المحرك والدافع، هنا.. بهذا الفارق يكمن جوهر القيادة».. هذه الجملة قالها المؤرخ السياسي ثيودور وايت، وفيها ترقد حكمة عظيمة.

حينما نسطر الكلمات في وصف قائد كان خير خلف لخير سلف فإنه توثيق للتاريخ وللأجيال ومسؤولية أمام الله والناس.. بعض القادة لا يحتاجون شهادة من أحد كون أفعالهم شاهداً لهم، ولكن "المعرفة هي القوة بالذات"، كما تقول جملة لاتينية سطرت على جدران مكتبة الكونغرس.

تبدأ الحكاية من سباق محموم مع الزمن خاضه قائد مسيرة التمكين الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -طيب الله ثراه- حينما تسلم راية الاتحاد وتأسيس دولة الإمارات من والده الشيخ زايد بن سلطان -رحمه الله- مستشعراً حينها بأن أهم إرث متروك من والده على عظيم إنجازاته كان «وضوح الأهداف»، وهي أهداف وإن كانت محكومة بمقاصد ومعايير تنموية إلا أنها في جوهرها إنسانية الغاية.. أصيلة الأطر.. عميقة الجذور وتعبر عن خصوصية الإنسان العربي المسلم.

سباق محموم مع الزمن خاضه قائد مسيرة التمكين الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان -طيب الله ثراه- حينما تسلم راية الاتحاد

بنى الشيخ خليفة على ذلك رؤاه لمرحلة سماها «مرحلة التمكين»، ليميزها بها عن المرحلة التي سبقتها وهي التأسيس، وكما يقول ثيودور روزفلت بأن تسعة أعشار الحكمة هي أن تكون حكيماً في الوقت المناسب.. وهكذا صفة متوارثة استمرت من قائد الانطلاقة إلى قائد البناء والتعمير، فعاهد حينها على تحويل الحزن الذي فطر قلبه بوفاة والده إلى قوة لتحريك القدرات والإمكانات حفاظاً على كل الإنجازات التي حققها زايد.

وهنا فصل جديد من فصول الحكاية الحضارية لدولة الإمارات حينما قرر الشيخ خليفة بدء التمكين، مبيناً وقتها أن أهم مقاصد الرحلة كانت في تهيئة البيئة المبدعة اللازمة لتمكين المواطن من امتلاك عناصر المعرفة والقوة ليكون أكثر مشاركة وأكبر إسهاماً، فقام بإخضاع النظم المجتمعية لمراجعة شاملة من حيث فلسفتها وأهدافها وقوانينها ووسائلها، مقتنعاً حينها بأن لكل أفراد المجتمع ومؤسساته الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية وغيرها دوراً رائداً، وأن تفعيلها واجب وطني، محيلاً إياها إلى الحكومة.. وكم هي حكومة سباقة وخلاقة وبيت خبرة لكافة حكومات العالم اليوم.

كان المواطن دوماً في قلب خليفة كما كان خليفة ويبقى في قلب المواطن، إذ قالها يوماً: «إن قمة ما نسعى له من المشروع النهضوي الذي نأمله لدولتنا هو تحويل الرؤية التطويرية بما تتضمنه من معان ومبادئ ومفاهيم إلى استراتيجيات عمل وقيم سلوكية يمارسها المواطن في حياته اليومية وينتصر لها ويدافع عنها ويصون مكتسباتها، وهي غاية التمكين وقمة المسؤولية والوفاء».

ولماذا الإنسان والشعب تحديداً في مسيرة القائد؟!

لأنه الأداة والوسيلة.. فبينما يكون القائد هو صانع الأمل يظل الإنسان هو هدف التنمية وغايتها.. هكذا كانت رؤية الراحل، وجل خططه تصب في هذا الاتجاه.

ولو اتجهنا إلى الخارج فسنعرف رجلاً لم يكن كبقية الرجال برؤية ليست كالرؤى.. ثبات واتزان وحكمة وشجاعة في اتخاذ القرارات وانتزاع الأهداف الكبرى سعياً وراء الانتصارات المجيدة وتصويب المسارات التي تحيد عن طريق العمل الجماعي الناجح، فنحن جزء من كل مكتمل على وجه هذه المعمورة.. هكذا تعلم القائد من أبيه وما زاده حنكة كونه رجل أمن وقائداً عسكرياً قوياً، فامتزج ذلك كله في رجل جاء على رأس هرم فيدرالي راسخ وثابت حتى اليوم، رغم كل ما عرفته المرحلة الماضية من صراعات وتقلبات في المحيط القريب والبعيد.

عهد جديد متميز يكتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ونحن كشعب نعاهد من جديد بأننا مستمرون في ولائنا وإخلاصنا

هذا بعض ما قد يقال في حق رئيس وقائد عرفت بلاده في حقبته الاستقرار والنماء والازدهار وبلغت مصاف العالمية بقوة وتفرد واقتدار.. ويبقى الخير من هذه الأرض وإليها مستمراً في عهد جديد متميز يكتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، ونحن كشعب نعاهد من جديد بأننا مستمرون في ولائنا وإخلاصنا، حاملون للشعلة، ننقلها لأبنائنا وأجيالنا.. فكما يقول أرسطو: «ما نحن إلا ما نفعله باستمرار»، ليس التميز إذن عمل يوم فحسب، وإنما هو عمل كل يوم.