الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

في رثاء الراحل الكبير

في طفولتي، كان يطيب لوالدي رحمه الله أن يحدثني عن شيوخ الإمارات الكبار.. الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد، وأخوانهما المؤسسين _ طيب الله ثراهم أجمعين، وأسكنهم فسيح الجنان.. وعندما يأتي ذكر الشيخ خليفة بن زايد – وكان يومها ولي عهد أبوظبي – كان يتوقف طويلاً عند مكارم الأخلاق التي ورثها عن أبيه وأجداده، ويقول بلهجته العامية البسيطة: «الشيخ خليفة محد مثله.. محد مثله».. وكان يعني بهذا الوصف البسيط والعميق في الوقت ذاته تفرد سموه بكم هائل من الصفات النبيلة والفضائل والقيم الإنسانية العليا.. التي يندر أن تجتمع في شخص واحد.

كبرت وقرأت، وبحثت في شخصية سموه، فلم أجد وصفاً أبلغ من وصف والدي رحمه الله: «محد مثله.. محد مثله»، فهو القائد الذي بلغت دولة الإمارات في عهده ذروة مجدها، وهو الأب الذي غمر الأمة بحنانه، وهو الكريم المعطاء الذي مد يد العون لكل الشعوب، وهو القلب النقي الذي غرس ثقافة التسامح في أبناء شعبه، وهو الحليم المترفع عن صغائر الأمور، وهو الحكيم ذو الرؤية الثاقبة.. ومهما تحدثت عن مناقب سموه، فلن أوفيه حقه.

لا خوف على الإمارات فقد انتقلت قيادتها من بكر زايد إلى شبيه زايد

تذكرت كلام والدي، وأنا أسمع النبأ الحزين فتجمعت الدموع في عيني، ومرت بذاكرتي صور كثيرة، كان فيها سموه شريكاً أساسياً في بناء الوطن، ورعاية شعبه، وصناعة مجده.. جنباً إلى جنب مع المؤسس الكبير، وعندما قاد السفينة من بعده، كان بحق خير خلف لخير سلف.

من يظن أن مهمة الشيخ خليفة كانت سهلة، فهو واهم.. فابتداءً من عام 2010، عصفت بالأمة العربية أعاصير غير مسبوقة، مزقت جسد الأمة العربية، وتسببت في هدر الموارد، وتشتيت الشعوب، ولا يستطيع أي مؤرخ أن ينكر دور سموه، بمعية أخيه وسنده وعضده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله، في إطفاء الحرائق التي اشتعلت في كل مكان وتضميد الجراح وطمأنة القلوب، في مهمة شبه مستحيلة، لكن بتوفيق الله، وصدق النوايا.. تكللت جهودهما بالنجاح.

لقد انتقل الشيخ خليفة إلى جوار ربه راضياً مرضياً، وقلوب الملايين تلهج له بالدعاء، وتسلم الراية من بعده قائد عربي كبير، يعرف دهاليز السياسة جيداً.. كيف لا، وهو كان طيلة السنوات العشر الأخيرة الاسم الأبرز في منطقة الشرق الأوسط قاطبة، وأحد القادة الأكثر تأثيراً على مستوى العالم؟

لهذا كله، فلا خوف على الإمارات، فقد انتقلت قيادتها من بكر زايد، إلى شبيه زايد.