الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

معضلة السعي الدائم للتميز

الكثير من الأفكار داهمتنا في السنوات الأخيرة وقلبت حياتنا رأساً على عقب.. وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتزيد من فترات تعرضنا لمثل هذه الأفكار، فتحولنا شيئاً فشيئاً من أشخاص يعيشون حياة طبيعية إلى أشخاص آخرين يبحثون عن أمجاد شخصية لم يأت بها أحد قبلهم، ويثقلون حياتهم بمهام جسيمة لم يكلفهم بها أحد.. سوى تلك الأفكار التي تحولت بمرور السنين إلى ثقافة متأصلة في النفوس.

اليوم نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية، وهي غياب الرضا عن الذات، وإرهاق الذهن بمقارنات دائمة مع إنجازات الآخرين، وحرص مبالغ فيه على إبهارهم.. وتمر السنين، ونحن في لهث مستمر خلف سراب يتراءى إلينا من بعيد وكلما اقتربنا منه اكتشفنا أن المسافة بيننا وبينه تتسع أكثر.

حتى وقتٍ قريب، كنت ضمن الراكضين وراء هذا السراب.. وكنت أنظر إلى من يعيشون حياة عادية.. هادئة.. على أنهم أشخاص هامشيون، يولدون ويموتون، دون أن يضيفوا شيئاً للحياة، وبمجرد رحيلهم، ينقطع ذكرهم من الوجود.. لكنني اكتشفت مؤخراً أن هذه الفكرة ليست خاطئة فحسب، بل موغلة في الخطأ.. وأن الأشخاص الذين نظن في لحظة غرور وغفلة أنهم هامشيون، قد يكونون أقرب للسعادة منا.. فليس هناك شقاء أكبر من شقاء الجري وراء الوهم وحرمان النفس من لذة الاستمتاع باللحظات الهادئة الجميلة مع العائلة والجيران والأصدقاء.

قالت: «هو شخصية مرموقة بالفعل، لكن أنا أريد زوجاً يشاركني حياتي، وأشاركه حياته»!

قبل سنوات طويلة، سمعت أن جارة لنا انفصلت عن زوجها بعد سنوات قليلة من ارتباطها به، وعندما سُئلت عن السبب.. قالت: «لا أراه، فهو دائم الانشغال والسفر».. وحين حاول أهلها إقناعها بأنه معذرو في سفره بحكم كثرة مسؤولياته ومن الطبيعي أن تكون لديه ارتباطات كثيرة، تحتم عليه التنقل الدائم.

قالت: «هو شخصية مرموقة بالفعل، لكن أنا أريد زوجاً يشاركني حياتي، وأشاركه حياته.. وهذا ما افتقدته طيلة فترة بقائي معه!».

من وجهة نظري، من الخطأ الحكم على قرار هذه المرأة بالصواب أو الخطأ، لكن من الواضح جداً أنها تعرف ما تريد، ولا تتأثر كثيراً بالفكر السائد في محيطها.

لا أقصد من كلامي السابق التقليل من شأن أصحاب الطموح العالي والإنجازات الكبيرة، بقدر ما أقصد أن من حق بقية الناس أن يختاروا الحياة التي تناسبهم التي يرتاحون إليها، وليس من حق أي أحد تهميشهم، أو محاولة إجبارهم على أنماط لا يشعرون معها بالسعادة.