الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

مناعة الروح

مع تسارع رتم الحياة، وانشغال معظم الناس بمهامهم الوظيفية لفترات طويلة من اليوم، وازدحام الطرق بالسيارات، وتلوث الجو في بلدان كثيرة.. ازدادت الأمراض ذات العلاقة بالضغط العصبي والتوتر والشحنات السلبية المتراكمة، وازداد معها تردد الناس على المستشفيات والعيادات النفسية، وأدى ذلك كله إلى انخفاض منسوب السعادة، وتنامي الشعور بالحزن والإحباط واليأس، وهذه ظاهرة عالمية تتضح ملامحها مع كل صباح جديد يشرق على الكرة الأرضية، وأي محاولة لتجاهلها أو تهوين أمرها، ستؤدي إلى تفاقمها بمرور الوقت، وستترتب على ذلك نتائج وخيمة على المديين المتوسط والبعيد.

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال كبير: ما المخرج من هذا كله، وكيف يمكن أن يستعيد الإنسان المعاصر صحته الروحية والجسدية؟

الإجابة عن سؤال مثل هذا ليست سهلة، ولا يمكن اختزالها في سطور قليلة، لكن يمكننا الربط ما بين صحة الروح وسلامة الجسد، وننطلق لنقول بعدها إن العناية بالروح، هي الخطوة الأولى في سبيل الحصول على جسد سليم.. وهنا تبرز أهمية تغذيتها بأكبر قدر ممكن من المشاعر الإيجابية، ابتداءً من الشعور بالأمان، وانتهاءً بالسعادة، مروراً بالاكتفاء والطمأنينة والسكينة وتقدير الذات والامتنان والحب، وغيرها من المشاعر ذات الانعكاس المباشر والعميق على صحة الإنسان.

الموت يبدأ في الروح، وينتهي في الجسد

سمعت مرة شاعراً معسور الحال يرثي زوجته بمرارة، ويصف الحياة من بعدها بالمظلمة والموحشة.. كان يتحدث بنبرة معجونة بالحزن والألم، والدموع تترقرق في عينيه.. وعندما بلغني خبر وفاته بعد أشهر قليلة، لم أندهش كثيراً.. لأن الموت يبدأ في الروح، وينتهي في الجسد، وكان واضحاً في أمسيته الأخيرة أن روحه تحتضر.. وعندما تحتضر الروح، يصبح الموت تحصيل حاصل.

معاناة هذا الشاعر، تذكرني بحالة مأساوية مرَّ بها اثنان من أصدقائي، كلاهما فقد زوجته في فترة مبكرة من حياته، ووجد نفسه فجأة وحيداً في مواجهة الحياة، بدون المرأة التي شاركته أجمل لحظات عمره.

الأول أعطى روحه حقها الكامل في الحزن، ثم نهض لمواجهة الحياة.. أما الثاني، فدخل في حالة اكتئاب طويلة لم يتعافَ منها حتى الآن.

الفارق بين الحالتين أن الأول اعتنى جيداً بروحه خلال تلك الفترة الحساسة، وحظي بمساندة كبيرة من المحيطين به.. أما الثاني؛ فغرق في أحزانه ولم يجد الأيادي التي تمتد لانتشاله.. ومن هنا وصلت لاستنتاج مهم جداً، وهو أن تعزيز مناعة الروح مهم جداً في أوقات الراحة، لأنها ستكون بمثابة الدرع الحصينة لأرواحنا في أوقات الألم والمعاناة والشدة، خصوصاً لو لم نجد المساندة الكافية خلالها.