نطفة في أحشاء أمي، أوجدني الخالق بقدرته لأعيش، كبرتُ داخلها وتمدَّدتُ على جدران جسدها لأعيش، ثم ظننتُ أنني هكذا إلى أبد الآبدين سأعيش، ولكن بعد 9 أشهر ضاقت بي دنيا «المشيمة» فأنقذوني وانتزعوني من بطنها لأعيش، ثم تعثرت طفولتي بمطباتٍ اعترضت نموِّي كي لا أعيش، تشبثتُ بالعناية الأسرية، والتطعيمات الصحية، وكل ما يلزم لأعيش، غادرت كنف والديّ إلى المدرسة بضمان أنني أعيش، اجتهدتُ كثيراً فنجحتُ كثيراً وتعلَّقتُ بأقراني الصالحين وتفهَّمت سوء أخلاق بعضهم لأعيش، كوَّنتُ شخصيتي وصقلتُ مواهبي والتزمتُ بالأوامر وسمعتُ النصائح لأعيش، وبعد 12 عاماً قضيتها في التعليم انتقلت إلى الجامعة لأعيش؟ اكتشفت بنفسي معنى العيش، حتى حسبتُ أنني لا أعيش لأعيش! ثم وفي عز شبابي تخرجتُ إلى الحياة العملية بحثاً عن لقمة العيش لأعيش؟ وهنا بدأتُ رحلة سؤالي «الشكسبيري» [أعيش أو لا أعيش؟]، لكن لم تسعفني السطور لأشرح لماذا وأين وكيف ومتى سأعيش، ولهذا اكتفيت بأنني ولدت لأعيش!
عاش (صامويل باربر) 71 عاماً من النور والألق، ولا بأس إن قلنا عاش نجاحاً رغم أنف الأرق، هو مؤلف موسيقي أمريكي كتب الأوبرا والموسيقى الأوركسترالية، وأيضاً موسيقى البيانو والموسيقى الكورالية، يعد أحد أشهر المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين، في السنوات بين 1910 إلى 1981، بدأ يعمل على أوبراه الأولى في سن التاسعة، ثم قفز بأعماله مسافات شاسعة، حيث درس البيانو والتأليف الموسيقي وقيادة الأوركسترا، ورأى الدنيا كما لا يمكن أن تُرى، ففيها التقى بمؤلف موسيقي شاب آخر، والذي أصبح رفيق دربه من الأول إلى الآخر، والجميل أن أعماله لا تزال تحتل مكاناً رفيعاً في برامج الحفلات، وكذلك في مناسبات التخرج في بعض المدارس والجامعات، لكن في الثلاثينيات امتدح (صامويل باربر) في بعض الأنحاء كأكثر الموسيقيين الموهوبين، وفي الوقت ذاته أطلق على موسيقاه بأنها لا تواكب الزمن من قبل المحدثين، وبالرغم من كل ذلك لم يبالِ (باربر) بذلك، بل واصل الكتابة بأسلوبه الرومانسي المتجدد، وأنغامه الدرامية ولحنه الجياش المتوقد، وفي السبعينيات بعد أن ترك كماً من الأعمال الكبيرة المتنوعة خلفه، تمكن باربر من التصريح بكل رضا قائلاً: {يقال إني لا أملك أسلوباً على الإطلاق لكن هذا لا يهم، أنا فقط أواصل عمل الموسيقى الخاصة بي كما يطلق عليها الآخرون، أعتقد أن هذا يتطلب قدراً معيناً من الشجاعة}.
الجدير بالذكر أن كلمة (باربر) باللغة الإنجليزية تعني الحلاق، ولكن اسمه اقترن بضوء النجوم والائتلاق.