الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

العالم ينقلب

يقول صاحبي، وهو يشاهد صوراً لعارضات أزياء خليجيات في أحد المهرجانات العالمية: «العالم يتغير بسرعة، ولا أدري إلى أين سنصل!».. وأعقب على كلامه قائلاً: «العالم ينقلب رأساً على عقب، والسنوات المقبلة حبلى بالمفاجآت!».

لا أخفيكم أن صاحبي قال عبارته الأخيرة على محمل التشاؤم، أما أنا فقلتها على محمل الإذعان للصيرورة الاجتماعية الحتمية التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة.

نعم.. العالم ينقلب رأساً على عقب، ومفهوم الثوابت الذي لازمنا لسنوات طويلة، تحول إلى صلصال رخو، يمكن عجنه، وإعادة تشكيله كل يوم بطريقة مختلفة.. يحددها الفرد نفسه، ذكراً كان أو أنثى، بصرف النظر عن نظرة الآخرين إليه.. فسلطة المجتمع تضعف يوماً بعد يوم، وتتعاظم في مقابلها سلطة الفرد، والمجموعات الصغيرة التي تتشارك الأفكار والأخلاق ذاتها.. ولا أستبعد أبداً أن نجد أنفسنا بعد سنوات قليلة أمام أجيال جديدة تؤمن بقيم مختلفة، لا تتقاطع مع قيمنا الحالية إلا في نقاط محدودة للغاية، قد لا تكون كافية لتحقيق الحد الأدنى من التوافق الاجتماعي المنشود.

الأمر الذي يقلقني ويزعجني فعلاً هو التآكل المستمر لمنظومة الأسرة العربية والمحاولات المستمرة لتقويض سلطة الآباء والأمهات

يقول صاحبي: «من كان يتوقع أن يحدث هذا كله؟» وأجيب: «كل من قرأ في تاريخ الحضارات البشرية من المفترض أن يتوقع ذلك، لأن الثبات استثناء محدود.. أما التغير فهو القاعدة».

من وجهة نظري.. ظهور عارضات خليجيات في مهرجانات عالمية بملابس لا تختلف عن ملابس عارضات أوروبا وأمريكا اللاتينية أمر ليس بغريب، ولا يستدعي التوقف عنده طويلاً، لأنه مرتبط بالحريات الفردية وطبيعة نشأة كل فتاة على حدة.. ولن أكون مبالغاً لو قلت إنه ليس بجديد أيضاً، ولو عدنا بذاكرتنا الجمعية إلى أرشيف القنوات التلفزيونية، لرأينا فنانات خليجيات بملابس مماثلة في مسرحيات الأبيض والأسود في حقبتي الستينات والسبعينات تحديداً.

الأمر الذي يقلقني ويزعجني فعلاً، هو التآكل المستمر لمنظومة الأسرة العربية والمحاولات المستمرة لتقويض سلطة الآباء والأمهات، وتشجيع الأبناء على التمرد عليهم والخروج عن طاعتهم، وما يتبع ذلك من تغير في القيم الاجتماعية والأخلاق.. هذه المحاولات خطرة للغاية، وتخفي بين طياتها نوايا خبيثة، ولا أستبعد أن تكون مدعومة من جهات خارجية تضمر لنا العداء، ولو لم يتم التصدي لها بجدية كاملة، فإنها قد تؤدي بمرور الوقت إلى زعزعة استقرار المجتمعات العربية من الداخل، وهو ما يعني بشكلٍ أو بآخر، الانزلاق نحو منحدر خطر لا يعرف أحد نهايته.