الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الطبيعة هِبة.. وثقافة استثمارية

يحدثنا ف. غريغور ييف وشريكه، في كتابهما (القوى في الطبيعة) عن (القوى) باعتبارها (المصدر، والبداية، والسبب الرئيس الخفي لكل فعل وحركة ومحاولة ودافع، ولكل تغير مادي في الفراغ، أو بداية تغير الظواهر الكونية)؛ وهذه القوى التي يُعرِّفها المؤلفان إنما هي في الطبيعة من حولنا، في الفضاء المتسع الذي يحتوينا، ولأنها كذلك فإن هذه القوي هي (الخاصيَّة العامة للمادة والأجسام).

ولهذا فإن قوى الطبيعة التي تشمل بحسب غريغور (القوة البدنية، وقوة الإرادة، والقوة الحصانية، وقوة العقيدة، وقوى الكوارث الطبيعية، وقوة العاطفة، وقوة البخار وغيرها)؛ تمثل ثروة لمن يعيش فيها أو قدرة تعتمد على كيفية التعامل معها والاستفادة منها في تعمير الأرض، الأمر الذي يجعل من هذه القوى هِبة من الله سبحانه وتعالى تتأسس عليها الحضارات الإنسانية.

إن الطبيعة بوصفها قوى تنتظم بأشكالها المتعددة في الموجودات من حولنا، والتي يمكن أن تمثل قدرة كونية يستطيع الإنسان من خلالها وبها أن يؤسس ثقافته، وعلى هذا سنجد على الدوام أن التراث الثقافي مليء بمجموعة من الحكايات والموجودات المعمارية التي ترتبط بالطبيعة وقدرتها وقواها سواء تعلق ذلك بسكونها أو حركتها.


ولعل الحكايات المرتبطة بالماء سواء أكان بحراً أو عيوناً أو أفلاجاً أو أودية، كلها قوى ارتبطت بالثقافة الإنسانية فجعلت منها أنظمة حياة من ناحية وفكراً وكائنا موجوداً يُنشئ خطابه من خلال التعامل والتواصل اللامحسوس مع الإنسان؛ ومن هذا سنجد الكثير من الحكايات التي تُسرد عن تلك المخلوقات التي تسكن مواطن المياه وتلك الحكايات عن القرابين والصدقات التي تقدمها المجتمعات في سبيل اتقاء غضب البحار وسخطها، أو التقرب طلباً لكرم رزقها أو وفرة مائها.


إن فكر تلك الحكايات تنم عن تخييل مجتمعي، وقدرة على جعل تلك المواطن الطبيعية أو المعمارية التي يتواصل معها بوصفها هِبة، سبيلا إلى تأسيس حضارة تنظم حياة الإنسان من جهة، وإبداعا يقوم على الثراء التخييلي من جهة أخرى.

ولأن التراث الثقافي جعل بين أيدينا هذه الثروة الطبيعية والإبداعية بوصفها (قوى) فإن علينا المضي قدماً في تأسيس استثمارات ثقافية قادرة على الحفاظ على الابتكار الأصيل والإبداع السياحي والفني الذي سيقدم هذا الثروة باعتبارها قوة إبداعية استثمارية على المستوى المسرحي أو الدرامي أو الفني (الموسيقي، والتشكيلي وغيره)، أو على المستوى السياحي والاقتصادي الذي سيجعل منها نطاقاً تنموياً معرفياً، كما تفعل الآن كثير من الدول المستثمِرة ثقافياً.