الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

المجتمعات لا تبدأ من الصفر

اختلف المحللون في تسمية ما جرى في عدد من البلاد العربية منذ أحداث تونس في ديسمبر 2010، وفي الشهر التالى في مصر بدءا من 25 يناير 2011؛ التسمية السائدة أنه الربيع العربى.

في حين هناك من رآه مؤامرة متكاملة الأركان، وهكذا فإن ما جرى هو لدى فريق يعد “ثورة” وربما انتفاضة أو حراكا شعبيا”، وفي المقابل هناك من رآه مؤامرة لإحداث “الفوضى الخلاقة” وفق مصطلح كوندليزا رايس، أما رئيس اتحاد كتاب فلسطين فأطلق عليه “ الربيع الأسود”.

إن التعدد والتباين في الآراء والمواقف عادي ولا يجب أن يزعج أحد، كثير من الأحداث والوقائع التاريخية التي مضى عليها مئات السنين مازالت مثار اختلاف في الرأي، ما جرى في سقيفة بني ساعدة عقب وفاة النبى (صلى الله عليه وسلم)، مازال موضع خلاف الباحثين والدارسين، فما بالنا بأحداث تجرى بيننا الآن، وأطرافها جميعا شهود وحاضرون ومشاهدها لا تزال واضحة، إلا أن الخفي منها أكثر من المعلن.


إن المزعج ليس هذا، ولكن أن يتصور البعض أن الشعوب والدول وحركة المجتمع تبدأ من الصفر، وأنها تولد من جديد مع تلك الثورات أو المظاهرات، وهكذا يتعمد البعض تجاهل التاريخ السابق واعتباره تاريخا أسودا.


في تونس يجرى تجاهل الحقبة البورقيبية، رغم كل ما فيها من انجازات، وفي الجزائر هناك رغبة صامتة أحيانا ومعلنة أحيانا للتهوين من شأن الثورة والتضحيات العظيمة، أما في مصر فحدث ولا حرج، حيث يقوم البعض بإدانة كل شيء، بما فيها تأميم قناة السويس سنة 1956، رغم أن هذا القرار كان حلما لأجيال من المصريين منذ نهاية القرن التاسع عشر، بل إن البعض لا يخجلون من القول أن مصر تحت الاحتلال البريطانى كانت أفضل، هؤلاء ليسوا أفرادا فقط، بل تنظيمات ومجموعات وتيارات تساندها قوى إعلامية ومالية ضخمة، وهكذا الحال في كل بلد.

الدول لا تبدأ من الصفر ولا تخلق من العدم، فحين جرى احتلال فلسطين سنة 1948 وإعلان قيام دولة إسرائيل، اختلق الاسرائيليون تاريخا لهم في فلسطين يعود إلى أكثر من ألفي عام، ونحن نهدر تاريخنا ونسقط كفاح أجيال، قد يكون جهلا وربما كان يأسا أو غروراً، ويتصور جيل معين أنه بداية الحياة والخليقة، لكن من لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له.