السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

حيث كانت أمي هناك

«بعد صراع طويل مع المرض».. أكره هذه الجملة وفي الوقت ذاته أجدها معبرة جداً، والسؤال هو: كيف لإنسان خلقه الله في أحسن تقويم أن يهزمه مرض لعين.. إنسان بكامل لطفه ومحبته، أو بكامل جبروته وطغيانه يُهزم.. بالتأكيد هي مشيئة الله ولا اعتراض.

هنا أحاول التفكير بصوت عالٍ، ربما أجد متنفساً أو راحة أو ما يشابه ذلك، بعد أن ثبت بالتجربة أني لم أستطع الهروب من تأثير الأماكن التي جمعتني بوالدتي الراحلة.. فهل للمكان تأثير على سلوكنا؟ وهل يرتبط هذا التأثير بفلسفة ما؟

يمكن أن تكون علاقة الإنسان بالمكان علاقة متغيرة تخضع لظروف عدة، في الصغر مثلاً نخاف الأماكن المظلمة لأنها تشعرنا بالخطر أو أن كائنات غريبة ستهاجمنا، لكن في الكبر يتغير التصور، فتكون هذه الأماكن مجرد شيء عادي، وكثيراً ما نلجأ للأماكن المظلمة لغرض الهروب من الضوضاء.


في الصغر أيضاً يُمنع الأطفال من زيارة المقابر خوفاً عليهم، وأيضاً في الكبر تؤلمنا زيارة المقابر لأن أحبابنا يرقدون هناك وحيدين.


مرَّ على وفاة والدتي عام و8 أشهر لم يمهلها المرض أكثر من 28 يوماً فقط. حياة إنسان كاملة تنتهي في 28 يوماً فقط.. عملت كل ما في وسعي ليتجاوزها الموت أو يخطئ في الطريق إليها، كنت أتمنى، ومن حقي أن أتمنى.

دائماً ما أبذل قصارى جهدي لتجنيب الآخرين أحزاني أو بمعنى آخر لا أحب «النكد» عندما ألتقي بأصدقائي، ولكن ما دفعني للكتابة هنا ما لاحظته من كرهي لمدينة كنت أحبها، اليوم أكرهها بقوة لأنني عشت فيها الأيام الأخيرة لمرض والدتي، وخروجي منها في سيارة نقل الموتى مع الجثمان.. أنا والجثمان فقط في الخلف.. شعور غريب ومخيف.

هذه الأيام أعود للمدينة نفسها، وأرى أمي في كل الأماكن التي جمعتنا قبل زيارتنا الأخيرة التي سبقت وفاتها، اكتشفنا مقهى جميلاً على البحر، اتفقنا أن نأتي إليه في الزيارة المقبلة، لكن هذا لم يحدث.. لقد شاهدتها اليوم من بعيد.. سيدة تشبهها، جلست أتابعها لأكتشف في النهاية أنها تشبهها فقط.. فهل يمكن أن نكره الأماكن؟

أعود اليوم إلى المدينة نفسها، وأنا لا رغبة لدي في المرور بشوارعها.. لا أعرف كيف أصف هذا الكره؟.. هي الظروف أجبرتني على العودة مرة أخرى.. أحياناً الظروف تجبرنا على فعل ما لا نريد، وتغيير مسارات حياتنا لأجلها.