الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

ماذا بقي من أحلام العروبة؟

نحن جيل نشأنا على حلم قديم يسمى العروبة، أخذ نصف عمرنا كلاماً والنصف الآخر أحلاماً أما البقية فكانت آلاماً.. كانت العروبة أغنية شبابنا شعب واحد وأمة واحدة بلا حدود أو جوازات سفر أو تصفية حسابات ومعارك، أمام حلم العروبة والوحدة العربية والقومية العربية فعشنا مع أجمل الأغاني «وحدة ما يغلبها غلاب»، «وطني وصباي وأحلامي».

كانت أحلام جيلنا بعرض هذا الكون وأننا سنكون حشوداً في القدس غداً أو بعد غد، وأننا سوف نلقي إسرائيل في البحر، وأننا سنكون قوة من أهم القوى الاقتصادية والسياسية في هذا العصر، وأننا سوف نتناول الغداء في القاهرة والعشاء في بغداد، ونقضي الليل في دفء الجبال في الجزائر والمغرب أو في صحراء موريتانيا.

كنا نرى صورة الجيوش العربية في جيش واحد يشبه جيش صلاح الدين وهو يستعيد القدس، ونسمع صوت الأذان يجلجل في دمشق وتونس وأسوان والمدينة المنورة، كانت هذه أحلامنا الصغيرة التي نشأنا عليها في بيوتنا ومدارسنا وأغانينا وخطب زعمائنا.


قلت إن هذه الأحلام أخذت نصف عمرنا وهناك من مات على حلمه، وهناك من ترك الأرض والوطن والبشر واختار أوطاناً أخرى، وهناك من بقي يجتر الحلم عاماً بعد عام رغم أنه اكتشف أنه حلم لا يجيء ولن يجيء!


إن أجيالنا الجديدة لم تعد تسمع شيئاً عن هذه الأوهام وليست الأحلام، فمن أين لها أن تعرف الحقيقة أمام أمة خذلت أجيالها جيلاً بعد جيل؟، وأين يجد الإنسان العربي الآن الحقيقة أمام شعوب كانت تحلم بالوحدة ودمرتها الحروب الأهلية؟، أين صرخات القومية العربية التي كانت تنطلق من إذاعات دمشق وبغداد وصوت العرب في القاهرة؟ أين الخطب التي كانت تجتاح الجماهير وهي تتحدث عن مستقبل أمة عظيمة من المحيط الهادر إلى الخليج؟، وأين الأغاني التي جسدت أحلام شعوبها في الأمن والاستقرار؟

أين تلك الأغاني من أنهار الدم التي تدفقت في معظم العواصم العربية؟ وأين كتابات مبدعينا الذين جسدوا في كتاباتهم أحلاماً لم تتحقق؟، أين أغاني القدس وأين قصائد شعراء هذه الأمة، والقدس الآن تحت سيطرة الكيان الصهيوني هدية من الرئيس ترامب وأين الجولان وأين حصار غزة؟، ومن أين خرجت حشود داعش لكي تدمر ما بقي من أحلام هذه الأمة، ومن كان أحق بالدماء أن تسيل في بغداد أو دمشق أو ليبيا أو اليمن أم أن تذهب إلى فلسطين لتحرر شعبها؟ وكيف خرجت داعش من قلب الأمة التي كانت يوماً خير أمة أخرجت للناس؟

إن الأجيال الجديدة لا تعلم شيئاً عن أحلام أجيال سبقتها، وهي أجيال لا تقرأ التاريخ ولا تحب لغتها ووجدت من يشوه دينها متبرعاً، فهل يمكن أن نسمع يوماً من يغني للوحدة العربية بلا حروب أهلية ولا صراعات دينية ولا وعود كاذبة؟ قد لا نعيش هذا اليوم ولكننا سنظل نحلم به!