الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«السوداني».. صاحب «مرقى الغزالة»

بوصلة الشعر تأخذنا إلى القرية التي تلف شاعرها بدثار الحنين، فيتوسد صدر أمه التي تطوقه بأدعيتها النبوية حتى لا تسرقه الغزالة خلسة من نومه فتضل خطاه في غابة العشق.

الفتى الجبلي الذي طوع الشعر، والذي يلتحف اللغة ويسكن خنادق الشعراء القدماء، فيهيم في حب عبلة وليلى المتخيلة وبثينة، التي ربما كانت ضرباً من خيال واشتهاء.

لم يكن يدري شاعرنا أن الـ40 التي وصل إليها وتعداها ببضع سنوات هي أول الحياة وربيع الشعر، وأن الغزالة لا ترمم القلب من جروحه الخضراء كما ظن في مقدمته لديوانه «مرقى الغزالة»، بل هي بدايات الحنين والعناء والانتظار والمستحيل ووعورة طريق بدأ به وحيداً ولا يعرف نهايته، وسيقطف شوكاً وصباراً، ولا بيوت يسكنها سوى بيوت من القش والطين سرعان ما تذروها الرياح هباء منثوراً، فهذه شريعة الحب، وهذا درب الغزالة وعر، وصعب اللحاق بها.


مراد السوداني ابن فلسطين، ظل يشعر في قصائده وباعترافه أنه الغريب رغم سماء وطنه التي تظلل سقف بيته، والنرجس الذي ينبت هناك في بلاد الله التي رواها دم الشهداء.. لقد سرى في ليلة دامية في تغريبة المهاجرين الذين حملوا معهم مفاتيح بيوتهم وصكوكها أو كأنه أُوهم أنه فعل، فعبَر متاهات حزنه، وتبع دخان الأساطير، وتلهى بالقصائد النائحات، وبالربابة وبقصة غزالة حاورها في السراب القصي ذات سفر، وفي غيابها تحول حزنه كذئب يقتات جرحه ويتبع رائحة دمه أينما نزف قلبه وصبره.


ظلت بوصلة القلب تشير لامرأة تشبه النهر تارة يترقرق كلما تكسرت مرايا الشوق، وتارة تبرق عيناها كرصاص البنادق في عتمة الحلم، وكلما هطل المطر علل قلبه بالأمنيات، وبلقاء قد يكون.

شالها المطرز، صوتها.. حناؤها.. ناي الذكريات المحجلات بصحراء البلاد البعيدة، وذكرى الغريبة.. صهيلها ومواويل شعر، وشلالات عطر وشهرزاد التي ما انفك يسترق السمع إلى حكاياها في غربة الليل الطويل في أرض الحكايات هي صورة لامرأة تضرج دمها بالأمنيات، واحتملت أن تكون وطناً أسري إليه في ليلة مباركة من هناك.

يصر مراد السوداني الشاعر الفلسطيني على أن يكون غريباً وأن يظل على موعد ووعد مع وطن تتشكل في صورته امرأة تسكن قوس قزح.