الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

بين الإبداع والعمل

إن الجميع يعمل والجميع يريد أن يكسب المزيد، لكن ما هو الأسلوب المتبع عند غالبية الناس والأفراد، إنه أسلوب العادة، عمل اعتيادي والتعوّد على أداء معين لساعات معيّنة كل يوم، فنحن نرى ذلك الموظف أو العامل أو البائع أو الممرض، يقوم بأداء واجبه بالحدود الدنيا دون أي إضافة، ودون أن يقدم أي جديد، وقد يكون ذلك الجديد الذي يطلبه الآخرون هو مجرد: ابتسامه؟، أو: توجيه؟، أو: إرشاد؟، أو: تغاضٍ؟، لكن البلداء الروتينيين لا يكلفون أنفسهم عناء، ولا يتقدمون بخطوة فيها منفعة للآخرين، إذ يعتبرونها زيادة على واجبهم.

إن التعود على العمل الروتيني الذي يماثل عمل الآلة عمل ممل مقيت، نفعه وفائدته محدودتان، والعاملون على هذه الشاكلة إنما هم بلهاء بلداء، همهم الكسب السريع، دون أن تكون في عملهم جودة، ودون أي تمييز لصنعتهم ومنتجهم.

قد يقول قائل: (وهل كل عمل فيه إبداع) ؟، نقول نعم: كل عمل فيه إبداع، إذا كان مؤدي ذلك العمل يريد ذلك، وكان يريد أن يتميز عن الآخرين، ويُشار إليه بالبَنَان، فهذا ينطبق على الكاتب والشاعر والرسام والمهندس والبنّاء وحتى الخباز والطباخ والميكانيكي والسائق، فلماذا نفضل شخصاً على شخص، إنما نفضله لخبرته ومهارته وجودة عمله، ولعمري ذلك هو الإبداع.


المشكلة أن هذه الظاهرة تفشّت بشكل كبير بين الجيل الجديد أكثر من اللازم، وإن أظهروا أداء متميزاً، فإنما يُظهرونه للإعلام والتواصل الاجتماعي، بينما في الحقيقة هم غير ذلك، كما أن هذا الجيل يُكثر من طلب الترفيه وحياة الرفاهية.


إن هذا السلوك في الحقيقة إنما انتشر جراء تقليد نمط الحياة الأمريكية، وهو نمط شائع جداً، بسبب سيطرة الإعلام الأمريكي على الإعلام العالمي، فالأمر لا يقتصر على الوطن العربي، بل يتعداه إلى كل قارات العالم، من أوروبا إلى آسيا.

نحن هذه الأيام بين رحى فكّي التخلف والتطور، لكن النظرة الغالبة في هذا المقام تتراوح بين تدين متعصب متطرف، وتفسّخ وانحلال بدعوى التمدّن، بينما التطور والتمدن بروح أصيلة وتديّن معتدل هو المطلب المهم لهذا التيه الذي يخيّم على الناس.