الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مخاض طويل

من الصعب أن يحدث تحول فكري سريع في ظل ظروف حياة طبيعية، لا تتخللها أي أحداث مفصلية، فالعقول بطبيعتها تميل إلى التكيف مع الظروف المحيطة بها، ولا تتحرك بفعالية إلا في ظل وجود مؤثرات قوية، ومعظم المجتمعات التي دخلت حروباّ طاحنة، خرجت منها بروح مختلفة، وأفكار جديدة، فخلال المآسي تسقط الكثير من الأقنعة، ومع انطفاء نيران الحروب تموت الكثير من القناعات.

هذه الفرضية تفسر الحراك الفكري الذي تشهده معظم المجتمعات العربية في الفترة الحالية، فالفرد العربي بعد كل الفواجع التي تمخضت عنها الثورات لم يعد كما كان قبلها، وأصبح أكثر تقديراً للحب، وأكثر ميلاً للسلام، حتى وإن كانت بعض المشاهدات توحي بعكس ذلك.

إن الإنسان العربي استفاق بعد عقود طويلة من المعاناة على حقائق صادمة، دفعته لإعادة التفكير في عدد كبير من مُسلماته السابقة، ومع كل مسلمة تتعرض للشك تنبثق أمامه حزمة من الأسئلة الصعبة التي تحتاج إلى عقل مستنير، وصدرٍ متسع لتتم الإجابة عليها، ومع كل سؤال يتمكن من إيجاد إجابة منطقية عليه تنجلي مساحة من الغشاوة المتراكمة أمام عينيه فتتعمق رؤيته للأشياء، وتزداد حياته حلاوة ومتعة وسهولة.


هذه المرحلة يراها البعض صعبة وغامضة، تدفعه رغماً عنه للإحباط والتشاؤم، لكن البعض الآخر يعيشها بحماسة كبيرة مشوبة بالفرح، لأنها من وجهة نظرة مرحلة مخاض طويلة ستتولد منها أجيال جديدة متصالحة مع ذاتها ومنفتحة على الآخرين.


ولا أكشف سراً، لو قلت أنني من الفئة الثانية التي تعيش هذه المرحلة بحماسة كبيرة، وفرح غامر.. لأنها من وجهة نظري مرحلة العاصفة التي تسبق الهدوء.