الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

في حضرة عام جديد

مع بداية عام جديد وتأمل لما فات وتفكر فيما هو آت، يخالجنا الحنين، وأيّام خوالٍ في واحات الحياة وبريق الأفكار ودفء القلوب وصدق مكنونات النفوس، مع العام الجديد نستحضر من الذاكرة سنوات الصبا وأيام الدراسة وساحات العلم، ثم منصات الطموح والشغف تحتوينا وتثرينا، نذوب فيها وتذوب فينا.

نقفُ على أطراف شريط الذكريات والحنين يغمرنا، نمرّ عليه بعيونٍ تزاحمها المآقي بقطرات من الدموع على العمر الذي تسرّب دون أن ندري، وفرح يطرب القلب بتجدّد اللقاء مع رفقاء الزمن الجميل: ذاكرتك وتأملاتك بعد سنوات من الغياب فى أعمالك وأسفارك، لنسترجع ذكرياتنا على مائدة الشوق والحنين الدفين، نتجاذب أطراف الحديث عن ترحالنا عبر دوامة زمن التهمت أعمارنا بنهم، ونحن نحثّ الخطى ونرفع الهمم بغية أن نعتلي القمم، ونحقّق الآمال ونحيل ما تحدّثنا عنه في الماضي بشغف يلمع في عيوننا اليافعة وقلوبنا الشابّة إلى واقعٍ نلمسه؛ وها نحن نتأمّله بعيون يملؤها التعب ووجناتٍ موشّحة بالوهن، نُسائل الزمن عمّا كلّفنا ذلك من ثمن، واليوم ومع عام جديد نلتقي من جديد مع خزائن البوح والذكرى والماضي والحاضر والمستقبل مجتمعون على مائدة واحدة.

نتأمّل ونتذكر أماكن تقطر شوقاً إلينا بقدر ما ملئت في الماضي بظلّنا ومقامنا، ربع قرن وأكثر خطّ أثره على ملامحنا وقلوبنا وعقولنا وعافيتنا منذ غادرنا مقاعد الدراسة، وغيّر شيئاً من تعابير وجوهنا ونفوسنا ومس أرواحنا؛ إلّا أنّ شيئاً في الأعماق بقي على حاله لم يتغيّر؛ ربع قرن أو أكثر استغرقنا الطموح حتى تاهت ذاتنا الحديثة الرقمية العصرية المتعبة عن ذاتنا القديمة العفوية النقية الراضية، ويحلّ الحنين علينا ضيفاً ويستحضر معه عبقَ الماضي الآسر في ربوع البراءة قبل ألم التجربة؛ بالصدفة البحتة تدرك أنّ ما في جسدك من أسقام وأوجاع وآلام علاجها ناقوس يطرق أبواب الحاضر وذكريات العمر الممتدّ في جداريّة الزمن المنصرم.


لقاءٌ واحد مع ذاكرتك ما قبل الرقمية لتستحضر مرابع البراءة وحضرة الغياب كفيل بأن يضعك في مواجهة ذاتك، هل غيّرتك رحلة العمر أم أنّ جوهرة دفينة كامنة في أعماقك تجهل كنهها تلحّ عليك بالشوق إلى ذاتك بين الفينة والأخرى..؟


ستبقى قاسية غربة الذات حين تبحث عن الذات وتدرك أن كلمة السر هي (عابرون) في حضرة عام جديد.