الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

يسّروا ولا تسهلوا

إن الكلام عن موضوعي التيسير والتساهل في مسائل العلم الشرعي لا يمكن أن تتم تغطيته في مقال أو اثنين، ولكن كما قال الإمام الملا علي القاري: «ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ كلُّه»، والبعض يقول: «لا يترك جله، أو بعضه، أو أهمه، أو أقله»، وهذا هو الداعي للتعريج عن الموضوع للذي قدمت ذكره..
لا يضر أبداً التأكيد على أن ثمة فارقاً جوهريّاً بين التساهل والتيسير في الدين؛ فالتيسير لا يتصور أن ينشأ إلا عن رسوخٍ كبير في العلم، وإدراكٍ تام لمقاصد الأحكام الشرعية، وما يتعلق بأدلتها، وكيفية الترجيح بينها، ولا يمكن أن ينشأ إلا عن درايةٍ بأحوال الناس وحاجاتهم وواقعهم، أما التساهل فينشأ عن فوضى وتقصير واستعجال في البحث، وعن استهتار وتلاعب بالنصوص الشرعية، وتتبّع للحيل، واتباع للهوى.
تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ»، وفي رواية: «وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ»، وفهم النصين فهماً دقيقاً جعلا الحافظ ابن عبد البر المالكي يقول: «على المرء ترك ما عُسر عليه من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه، والميل إلى اليسر أبدًا، فإن اليسر في الأمور كلها أحب إلى الله تعالى، وإلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..» من ينظر بإنصاف في الأحكام الشرعية يرى بوضوح تام أنها مبنية على اليسر ووضع الحرج عن الناس، بل إن هذا يعد من المزايا التي تميزت بها الشريعة الإسلامية مقارنة بغيرها من الشرائع السماوية؛ وهذا الأمر هو الذي جعل العلماء يقررون قواعد شرعية هامة مثل قاعدة: «المشقة تجلب التيسير»، و«الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم»، و«لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه»، و«الخروج من الخلاف مستحب»، وغير ذلك، وأختم بأن التيسير نوع من إعمال القواعد العلمية المدروسة والمقننة بعنايةٍ من قِبل العلماء والفقهاء، ولا يخرج حكمه عندهم عن الندب أو الوجوب، أما التساهل فحكمه الحرمة.