الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الانعزاليون.. ماذا صنعوا بنا؟

الانطوائية ليست ـ كما يروَّج لها ـ عيباً وخللاً نفسياً منافياً للطبيعة الإنسانية، التي رسمتها مخيلتنا البشرية على صورة واحدة مقبولة تُرى فقط في الأشخاص الانبساطيين، الذين يملؤون الأجواء حولنا بالضجيج والحديث والفعاليات المثيرة للمتعة والضحك والانبساط، وهي الأحداث التي منحتهم تفوقاً طفيفاً من حيث العدد مع نظرائهم المختلفين عنهم من الجنس البشري المائل للهدوء والسكينة.

مع ذلك تكاد الكفة تميل للانعزاليين من حيث الإنجازات المقدمة للبشرية، فلولاهم لما عرفنا نظرية النسبية لألبرت أينشتاين وقانون الجاذبية لإسحق نيوتن، ولما استمتعنا بروايات وأفلام هاري بوتر لجوان رولينغ ومزرعة الحيوان لجورج أورويل، وقائمة شندلر لتشارلز شولتز، وغيرهم، حيث العامل المشترك بينهم جميعاً الانطوائية وإخوتها الخجل والجدية والتحسس ـ وإن لم تمثل الأغلبية بالضرورة ـ، فواقع الحال يقول: إن هناك انبساطياً هادئاً ومندفعاً، وكذلك انطوائياً، ومن غير المستغرب أن تجد انطوائياً غير خجول، وعلى النقيض منه، انبساطياً خجولاً.

الانطوائيون هم المفكرون الذين تنبع قراراتهم ورؤاهم من دواخلهم دون مؤثرات خارجية لإرضائها واكتساب ودها والتمظهر أمامها، عكس الانبساطي الذي يرى بالأضواء ساحته التي يجيد اللعب فيها، تعزز ذلك الصورة الذهنية المرسومة له حيث البشاشة والوسامة، بخلاف العبوس والقبح والضعف وعلامات المرض والشرود للانطوائي كما جرت عادة تصوره ووسمه.


بمقارنة بسيطة سنجد الانطوائي وسيماً أيضا وجذَّابا، ميالاً للهدوء والتأمل والفردية والتروي والاستماع قبل الحكم واتخاذ القرار، منجذباً لعالم الأفكار والمشاعر، تمنحه العزلة والخلوة وجوده وطاقته المتجددة، بينما الانبساطي يجنح للعمل والسرعة بالحكم والفعل والمخاطرة والتحدث أكثر من الإصغاء، كما أنه جماعي ميال لحياة الناس والأنشطة الخارجية، التي تمنحه وجوده وكينونته منعاً لخفوته وانكفائه ووهجه.


يقول لاو تسي: الذين يعرفون لا يتكلمون والذين يتكلمون لا يعرفون.. فهل يمكن إسقاط هذا القول على الانبساطيين والانطوائيين؟ ربما، ولكن دون الجزم، مع الوضع بالاعتبار الثقافات والبيئة وظروف أخرى حتمية، بالإضافة إلى ثقافة الطبع التي تتحكم بدورها بتكوين الشخصية، ومن غير المستبعد أيضاً أن تكون نواتها مرحلة الطفولة التي لا يجب أن تثير مخاوفنا إن صدف واستشعرت حواسنا كآباء شخصية هادئة لطفلنا، فذلك لا يعني أنه معقد ولا يمكن الحكم عليه إلا بالمخرجات لا ما يبدو لنا ونظن!