الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الفالنتاين.. الأسرة والعلاقات العابرة

الـ14 من فبراير كل عام صار تقليداً لا ملامح واضحة له، هو موعد سنوي مع الورود الحمراء والمواعيد الغرامية ورمز للعشاق، وصارت ملامحه شبابية منفلتة في عالمنا العربي (تقليداً للغرب)، فصار رمزاً للعلاقات الغرامية فقط، وهو ما سيثير غضب الراهب فالنتاين نفسه لو عاد إلى الحياة ورأى ما يحدث باسمه كل عام.

كان الهدف من الاحتفال بالـ14 من فبراير تكريس ذكرى رجل دين مسيحي محترم، قاوم الظلم الإمبراطوري المتمثل في الإمبراطور الروماني كلوديوس الـ11، وذلك في القرن الثالث الميلادي.

الإمبراطور المستبد، ولغايات أطماعه العسكرية والمجنونة، كان قد أصدر قراراً بإلغاء الزواج عام 270 ميلادية، لأن الرجال المتزوجين، برأيه، يشكلون جيشاً غير قوي لأنهم يكرهون ترك أسرهم والذهاب إلى الحرب، فما أن علم فالنتاين أسقف إنترافنا في إيطاليا، بذلك حتى جمع بين الشباب المتحابين سراً بالزواج لأنه سر مقدس.


وعندما علم كلوديوس غضب من الأسقف فالنتاين، فدعاه إلى قصره وحاول رده عن المسيحية والعودة إلى الوثنية فرفض فالنتاين، فقام الإمبراطور الروماني برجمه بالحجارة ثم قطع رأسه في 14 فبراير في العام ذاته.


إذن، نحن أمام رجل دين وجد في قرار الإمبراطور المستبد ظلماً وتفكيكاً لمفهوم الأسرة، وفي مواجهة هذا الخطر الاجتماعي الخطير تصرف فالنتاين بما يؤمن به من قناعات «إنسانية» نبيلة بضرورة حماية مفهوم الأسرة عبر تكريس فكرة الزواج، وهو ما دفع حياته ثمناً له.

اليوم، لا أحد من غالبية محتفلي الفالنتاين يؤرخ ليوم مقتل رجل الدين المحترم، يدرك أبعاد فكرته التي مات من أجلها، فصار عيد الحب استهلاكياً وتجارياً بل وفي بعض الأحيان عكس ما تحمله روح الذكرى نفسها، وفي عالم تتعرض فيه منظومة الأخلاق المجتمعية إلى كثير من الاهتزازات، يقلد شبابنا العربي النسخة الممسوخة من عيد الحب بعلاقات ليس هدفها الزواج بقدر ما هو احتفال فارغ من المعنى.

الهدية المثالية في عيد الحب لأي عاشقين، لو كانا يؤمنان بفكرة القديس فالنتاين نفسه، أن يكرسا حبهما لتكوين أسرة، ويكللا حبهما بالزواج لتحقيق تلك الأسرة.

لست ضد الهدايا ولا رمزية الحب، لكن فكرة عيد الحب بمجملها كانت لإحياء ذكرى رجل دفع حياته ثمناً لترسيخ الاستمرارية والديمومة في العلاقات الأسرية، وتلك لا تكون إلا بمؤسسة الزواج.. لا غير ذلك.