الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

وارث كوارث

هناك أزمة عربية طاحنة تضرب العقل الجمعي في هذه الأمة، وهي أزمة تحول الغايات إلى وسائل وتحول الوسائل إلى غايات، فالدين غاية تحول على يد المتأسلمين إلى وسيلة للقفز على السلطة وتحقيق أمور دنيوية ومكاسب آنية، ومعنى ذلك أن السلطة صارت هي الغاية بعد أن كانت وسيلة، وهكذا كل المعاني السامية تحولت من غايات إلى وسائل، فالوطن الذي هو غاية صار وسيلة وشعاراً وكلمة حق يراد بها باطل، والحب الذي هو غاية صار وسيلة للنصب والاحتيال وتحقيق مآرب جسدية، ومن أشد الأمور إيلاماً للنفس أن يتخذ الناس الدين وسيلة لتحقيق مآرب ضد الدين نفسه، كأن يصبح الدين دجلاً وشعوذة وتسولاً، وإذا كان الله تعالى قد عذب قرية قوم سيدنا لوط (سدوم) بأن جعل عاليها سافلها مادياً، فإنني أرى عذاباً أشد في هذه الأمة وهو جعل عاليها سافلها معنوياً بتحول الغايات إلى وسائل.
وفي كل الأمة حتى على المستوى الأسري نحن عباقرة في تشخيص الداء، والحديث عن المشاكل، لكننا خائبون في وصف الدواء واقتراح الحلول، لذلك يتوارث العرب المشاكل ولا يتوارثون الحلول، وهناك تقدم وتطور كبيران في وسائل التشخيص وتخلف وتراجع أكبر في وسائل العلاج، والحل الذي كان متاحاً بالأمس أصبح مستحيلاً اليوم، لأن المشكلة تمردت على الحل والمرض استعصى على العلاج، ولا توجد خلافات في ندوات ومنتديات ومؤتمرات العرب حول المشاكل ولكن الخلاف دائماً على الحلول، لذلك تعيش المشاكل وتموت الحلول، وعندما يتفاقم المرض ويصبح عصياً على الشفاء يصير الدواء مجرد مسكن وقتي يتعاطاه المريض باستمرار، حتى يصبح غير ذي جدوى ويكون الهدف أن يموت المريض بلا ألم وليس الهدف أن يشفى من مرضه.
وهكذا يقف العرب عاجزين أمام ما يتعرضون له من أزمات وصراعات خرجت عن السيطرة، ويكتفون بمسكنات من شعارات التضامن والأخوة والعمل العربي المشترك، ومواجهة التحديات والتصدي للمخططات والمؤامرات، وكل ذلك كلام فارغ من المضمون، كلام مستهلك، اعتدنا أن نسمعه أو نقرأه منذ أكثر من قرن، بينما المشكلات متفاقمة ومتجددة وصامدة في وجه شعارات وحلول بالية وعتيقة، ولن يتبدل شيء لأن العربي ليس وارثاً للحلول والعلاج وإنما هو وارث مشاكل وكوارث.