الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الخلوة باب والاختلاط غيره

عدم التفريق الصحيح بين الخلوة والاختلاط، ساق العقول إلى عدم معرفة الحكم الصحيح عليهما، مع سهولة الوصول إليه.

أكاد أجزم أنه لا يوجد من سلف الفقهاء أو خلفهم من قال بأن مجرد وجود النساء مع الرجال في مكان واحد حرام في ذاته، والحرام عندهم إنما هو في الهيئة الاجتماعية إذا كانت مخالفة للشرع، كأن يكون الاجتماع على منكر أو لمنكر، مجمع على إنكاره.

هذا الموضوع يتجدد الكلام عنه بين الفينة والأخرى داخل الغرف المغلقة، وإن الفهم الصحيح للدين يستلزم التأكيد على أن الأعمال التي تقتضي طبيعتها وجود الرجل مع المرأة في مكان واحد، لا مانع منها إذا أُمنت الريبة وانتفت الخلوة، فمجرد وجود الطرفين في مكان واحد ليس حراماً في نفسه، والمحرم هو أن ينفرد أحدهما مع الآخر في مكان بحيث لا يمكن الدخول عليهما، وعن هذا يقول الإمام ابن دقيق العيد في كتابه «إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام» في شرح حديثه، صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء»: إنه «مخصوص بغير المحارم، وعام بالنسبة لغيرهن، ولا بد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون الدخول مقتضياً للخلوة، أما إذا لم يقتضِ ذلك فلا يمتنع».


ليس كل انفراد واختلاء يُعد خلوة محرمة، ومن المرويات الحديثية الصحيحة ما رواه سيدنا أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: «جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فخلا بها، فقال: (والله إنكن لأحب الناس إلي)»، وفي بعض الروايات: «فخلا بها في بعض الطرق أو السكك»، وبوَّب الإمام البخاري على ذلك بقوله: «باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس».


وأختم بضابط الخلوة المحرمة، وهو الذي ذكره الشيخ الشبرامَلسي الشافعي بقوله: «اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة، بخلاف ما لو قطع بانتفائها عادة فلا يعد خلوة»، ومن معاني ذلك أن مجرد إغلاق الباب إغلاقاً من شأنه أن يسمح لأي أحد بفتحه والدخول في أي وقت لا يجعله من باب الخلوة المحرمة، وأن مفاوضة المرأة الأجنبية سراً لا يقدح في الدين عند أمْن الفتنة، وأن الخلوة مع المرأة في زقاق ليس من باب الخلوة معها في بيت.