الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فن الفكاهة السوداء

يقول أرسطو في (فن الشعر): «الهزل أو المزاح تمثيل الصغار من غير غضب، ومن غير إيلام المحاكى..» فالهزل في غايته إثارة الضحك، من خلال مجموعة من التمثلات التي تكشف عن معاني السخرية والتندر والتفكه، في قالبٍ عمقُه تجسيد الواقع الإنساني بأبعاده المختلفة، وفي ظاهره أنواع من الآليات والأشكال اللغوية والفنية المختلفة.

إن الهزل من أهم مكونات الآداب الشعبية التي استخدمتها المجتمعات بوصفها أدوات للترويح عن النفس من ناحية، ونقد الواقع من ناحية أخرى، إنه أداة فنية أدبية ذات أبعاد اجتماعية نفسية سياسية، ولهذا سنجد أن التراث الشفاهي زاخر بأنواع الهزل والسخرية، التي كانت تعبر عن المحن التي مرت بها الشعوب، وسنرى ذلك في المسرح الكوميدي، والشعر الساخر، والنكتة الشعبية، والنادرة، وغيرها من الأشكال التي يظهر فيها الهزل.

تتلبس الهزلَ والسخريةَ مجموعةٌ من المفاهيم التي تكشف عن مجموعة المواقف التي لا يستطيع المجتمع الكشف عنها صراحة، إنها الوسيلة التي يُعبَّر عنها في أشكال من الفكاهة والمحاكاة الساخرة، والتي يمكن أن يُطلق عليها (الفكاهة السوداء)، وهي ما يسميها (عبدالواحد لؤلؤة) بـ(السخرية الهجائية).


ولعلَّ من أهمها (السخرية): ما يتعلق بالسياسة، والتي تظهر في أشكال التعبير المرتبط بـ(النكتة) بشكل خاص، بوصفها أقرب إلى المجتمعات، والسخرية المصورة التي تظهر اليوم في شكل (الكاريكاتير)، ولأن التراث الثقافي في منطقة الخليج العربي يزخر بفنون السخرية والهزل بأشكاله المتنوعة، إلا أن فناً من مثل (فن الباكت) المعروف في سلطنة عُمان، وهو مسرح دُمى، يتميز بتوظيف للأدب الساخر الذي يوظف الهزل باعتباره (سخرية هجائية).


إن فن الباكت الذي تُشتهر به محافظة الباطنة في سلطنة عُمان في نوع (باكت العرائس) مشاهد تمثيلية يقوم بها المؤدون، الذين يتمثلون في مجموعة من أشكال الحيوانات والطيور، التي ترمز إلى مجموعة من الرموز السياسة، مثل: (الملك) و(الوزير) و(الشعب) وغيرها، ليتم صياغة مجموعة من الحوارات الساخرة، التي تكشف عن تلك العلاقات والأفكار التي لا يمكن الإفصاح عنها صراحة.

إن فن الباكت هو مسرح شعبي مفتوح، يلتف الجمهور حول المؤدين يستمتعون ويضحكون في جو من المرح، حيث يبدع هذا الفن في إبراز الهزل، بوصفه أدباً، له قدرته وإمكاناته الوظيفية الفنية والأدبية.

وإن فنون السخرية والهزل في تراثنا الثقافي، جديرة بالكشف والرصد والتقصي والتمثيل وإعادة الإحياء في أشكال فنية معاصرة.