الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

التبني من وجهة نظر إسلامية

التبني من أعظم الممارسات الإنسانية التي توليها الشعوب المتحضرة والأمم الأخلاقية أهمية خاصة، وتشرف عليها جمعيات حكومية وأهلية لضمان حصول الأطفال المحرومين من كنف العائلة على عائلات بديلة، تسمح بانخراطهم معها وبناء أسر جديدة، لينتج عنها مواطنون أسوياء يكونون جزءاً من المجتمع لا عالة عليه، بنائين لا مغمورين وقابعين في السجون أو مشردين ونكرات نتيجة إهمالهم وتركهم لتتمكن منهم العقد النفسية والظروف القاهرة والخطرة لينغمسوا في الجريمة والرذيلة، يكرسها واقع غياب البيئة الأسرية عنهم وتوحدهم في دور الرعاية الاجتماعية التي لا يمكن أن تكون بديلاً عن أسرة مكونة من أبوين يلعب كل منهما دور الأب والأم أو من ينوب عنهما لإعداد النشء.
بالطبع، التبني في الإسلام محرم ولا خلاف عليه لحفظ حقوق الورثة وكرامة النسب للأب البيولوجي والحرص على عدم إشاعة البغضاء والحسد داخل العائلة الواحدة وبين الأبناء، لكن الإسلام الذي يحرص على الحق والعدل قد رعى التبني بمفهوم آخر لا يقل أهمية، وجعل أجره وثوابه أكثر من المتعة الدنيوية بأن يحظى زوجان بالأبناء، بل يمتد جزاؤه للآخرة، والمعني هنا رعاية الأيتام والأطفال الذين هم بلا مأوى وعائلة وكفالتهم والسعي خلف توفير كافة التزامات الحياة تجاههم، وحتى تربيتهم والعناية بهم، ليكونوا متساوين في الحظوظ والفرص مع نظرائهم، فيصبحوا جزءاً من المجتمع وعاملاً في بنائه وازدهاره دون تبعات نفسية وبيئية واجتماعية عليهم، ولكيلا يشعروا بأن فرصهم في الحياة الكريمة تقلصت بسبب يتمهم أو نبذهم من عائلاتهم التي تخلت عنهم.
لكل شعب طريقته في تحمل المسؤولية الدينية والمجتمعية والإنسانية تجاه أطفال بلا عائلة ومأوى، ففي حين جعل الإسلام التكفل بهم ذا أجر عظيم لا يُضاهى، دعت الأديان الأخرى والشعوب لتبنيهم ودمجهم بالعائلات التي ترغب في ذلك، وجميعها ممارسات إنسانية بامتياز، كما أنها روحانية وعاطفية واجتماعية تمثل التكاتف والتآزر المجتمعي وتظهر روح الأخلاق والقيم الحميدة التي يتحلى بها الأفراد تجاه من هم بأمس الحاجة للرعاية والعناية، دون ترك مسؤوليتهم على الدولة فقط، التي وفرت لهم دور الرعاية الاجتماعية، التي مهما كانت درجة مسؤوليتها والتزامها وأمانتها، إلا أنها لا تغني عن المشاركة المجتمعية للأفراد، فمن خلاله فقط تكون لبنات المجتمع قويمة وسليمة بديمومة الحياة وتخريج أفراد قادرين على الاستمرار بالحاضر وصناعة المستقبل.