الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

القرى الفرنسية.. من المحلية إلى العالمية

سوف تكون فرنسا على موعد مع انتخاباتها البلدية في منتصف شهر مارس الجاري، هذا الاستحقاق الذي يتكرر كل 6 سنوات، يُشعل النشاط في نحو 36 ألف بلدية يتنوّع حجمها بين حجم واتساع العاصمة باريس وحتى أصغر قرية، إلا أن هذه المعارك الشرسة لا علاقة لها بالانتماءات السياسية، لأن رؤساء البلديات ومجالس المدن والقرى يتم اختيارهم من سكان بلدياتهم وفقاً لكفاءتهم وقدرتهم على العمل والإنجاز ومدى قربهم من مجتمعاتهم، وأيضاً بحسب تطلعاتهم ورؤاهم لمستقبل «مملكتهم» الصغيرة التي يحكمونها.

ويُعدّ رئيس بلدية القرية أو حتى المدينة الصغيرة أو المتوسطة، الملاذ الآمن الأول والأقرب لسكان بلديته، وعادة ما يمارس عمله ليلاً ونهاراً، ولا يتلقى نظير عمله المتفاني إلا النذر اليسير من العوائد المتواضعة التي لا تتفق مع الجهود التي يقدمها.

ولكن، يبقى رؤساء البلديات وأعضاء مجالسهم من الشخصيات السياسية الأكثر حظوة بالاحترام والتقدير في المجتمع الفرنسي، وهم الذين يخلقون من الديمقراطية خطاً للتواصل النشيط بين الشعب والقادة، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في ندرة العثور على متطوعين جدد يقبلون التضحية بحياتهم الخاصة من أجل حل مشكلات مجتمعهم والارتقاء به.


ويبلغ عدد سكان القرية التي أنتمي إليها أقل من 5 آلاف نسمة، وتبعد بنحو 16 كم عن مركز العاصمة باريس، وسبق لي أن عملت لبلديتها لولايتين متتاليتين لاقتناعي بأنني أؤدي واجبي لمساعدتها على مواجهة مشكلة التوسع الحضري الفوضوي، وأيضاً لمواصلة الجهود التطوعية التي سبق أن التزم بها والدي في عقد الستينات، وأجد نفسي الآن مدفوعاً من جديد للتدخل في الخيارات التي تقررها الأجيال الشابة الجديدة.


وتشتهر قريتنا بحفاظها على البيئة، ويلتقي النهر الصغير الذي يعبرها بنهر السين في قلب باريس، وكان الكاتب الشهير «فكتور هوجو» قد اشتهر بقضاء معظم عطلاته هناك، واليوم أصبحت قريتنا نقطة تجمع لممارسي رياضة ركوب الدراجات والمشي، وتشتهر أيضاً بمهرجاناتها الفنية الصيفية وبصناعاتها الحرفية التقليدية.

وتكمن المشكلة الآن، في أن السكان المحليين منقسمون بين من يفضلون العزلة عن غيرهم والحفاظ على تقاليدهم وفنونهم الشعبية، وبين أولئك الذين يعتقدون أن من الحكمة أكثر مواجهة تحديات حركة المرور الكثيفة، وتلوث الهواء والزحف الحضري للأبنية، التي أصبحت تتصل بأبنية القرى المجاورة، حتى يمكن لقريتهم أن تحتفظ بمكانتها على المستويين المحلي والوطني.