الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التهويل والعويل.. في الليل الطويل

لست مع المتنبي في قوله مادحاً سيف الدولة الحمداني:

وتعظم في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم


وأرى أنه ذم سيف الدولة واتهمه بالتهوين والتحقير من شأن أمور عظيمة، وتلك آفة عربية لا أرى منها خلاصاً، وهي آفة تهوين المشكلات العظيمة والخطيرة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقمها وإنكار وجودها واستعصائها على الحل، مثل المرض نرفض الاعتراف به ونهون منه حتى يتفاقم ويكون عصياً على العلاج.


ومن رذائلنا أننا نرى الأمر هيّناً وهو عند الله عظيم وعند الناس خطير، وإذا خُيرتُ بين التهويل والتهوين، فإنني أختار التهويل وتوقع الأسوأ حتى إذا وقع لا يكسرني، فلا بأس من التهويل بشأن فيروس كورونا المستجد، وأنه فيروس عادي ولا خوف منه، وسوف ينحسر ولا مبرر للقلق.

وهذا هو الفرق بين العرب والعالم كله، هناك تهويل كبير في شأن كورونا عند الغرب وتهوين عند العرب، وهكذا كل أمور العرب، الأزمات لا وجود لها وكل الأمور تحت السيطرة، وليس هناك تهويل إلا في الإيجابيات التي قد لا يكون لها وجود أو لها وجود باهت، لذلك نستخدم بإسراف أفعل التفضيل فنحن الأعظم والأقوى والأكبر، وكل ذلك أدى إلى تفاقم الإرهاب واستشراء الفساد.

لقد هونا كثيراً من شأن إسرائيل وعلمونا منذ طفولتنا أن إسرائيل كيان طفيلي لا قيمة ولا وزن له، وأن الحرب معها مجرد نزهة وسنلقي بها في عرض البحر، حتى صعقنا بما حدث في الخامس من يونيو 1967، ولا تزال سياسة التهوين والإنكار تحكم الأداء العربي في كل مجال، بينما يبني العالم كله سياساته على تكبير المشكلات والأزمات وتصغير الحلول والإنجازات، ودائماً هناك تعبير متكرر في الغرب مثل: « لا يزال الحل بعيداً»، و«بدأنا الطريق ولكننا لم نصل بعد»، وكورونا سيتحول إلى وباء قاتل في غضون شهور قليلة، والقول بأنه سينحسر في الصيف أمل زائف.

والغريب في الأمر أن الأزمات توحد العالم كله ولكنها تفرق العرب أو تزيدهم فرقة وخلافاً، بل ربما يستغلونها في الكيد لبعضهم والشماتة ببعضهم، والأزمات تزيد العالم اقتراباً وتقارباً ولكنها تزيد العرب تباعداً ونفوراً، حتى لا ترى سوى تهويل كاذب في حديثنا عن الأخوة والتضامن والأشقاء والعمل العربي المشترك، بينما تباعدنا وتفرقنا وعداؤنا لبعضنا، كل ذلك يستحق التهويل والعويل لأن الليل العربي طويل.