الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

عن العلاقة بين الأحكام والأزمان

تظل قاعدة «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان» من القواعد التي يكررها الناس جميعهم، بغض النظر عن اختصاصاتهم العلمية، ومما يعتمدون عليه في التدليل على صحتها، عدم إعطاء أمير المؤمنين الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، للمؤلفة قلوبهم من الزكاة، مع ورود ذلك في القرآن الكريم، إذ رأى أن عز الإسلام سبب موجب لحرمانهم منها، وكذلك إلغاؤه، رضي الله عنه، للنفي والتغريب في حد الزاني البكر، خوفاً من أن يَفتتن في دينه عندما يلتحق بدار معادية.

كما أن الخليفة من بعده، سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، أمر بالتقاط الضائع من الإبل، وبيعها، وحفظ ثمنها لصاحبها، لما رأى من فساد أخلاق الناس، وخراب ذممهم، مع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن التقاط ضالة الإبل، وورَّث، رضي الله عنه، تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبدالرحمن بن عوف، الذي طلقها في مرض موته، بعد انقضاء عدتها، والأمثلة كثيرة..

إن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان أمر منصوص عليه في الفقه الإسلامي، وذكره غير واحد من العلماء، وكلهم لهم سلف من أعمال من سبقهم، الذين رجحوا مصالح شرعية، لم تكن راجحة في وقت من الأوقات، أو آثروا درء مفسدة لم تكن قائمة في زمن من الأزمنة، معتمدين في فعلهم هذا على حدوث التغيرات في أحوال أهل الزمن.


وتبقى النقطة المهمة في القاعدة السالفة الذكر، والتي ينبغي عدم غيابها عن الأذهان، هو ضرورة التفريق بين الأحكام الاجتهادية والأحكام القطعية، وأحكام المعاملات وأحكام العبادات، فالقطعيات والعبادات من الأحكام لا يمكن أن تتغير، والثابت منها يبقى ثابتاً طوال الزمن، كأحكام المواريث التي يحاول البعض أن يفتح باب الجدل فيها، بدعوى أن حال المرأة اليوم، يختلف عن حالها بالأمس، وكذلك ما يتعلق مثلاً بحكم أكل الخنزير، أو شرب الخمر، ومثله باقي القواعد والمبادئ والأحكام التي ورد فيها نص، كوجوب أداء الأمانات أو رد المظالم إلى أهلها، وحرمة القتل أو السرقة، وحرمة الغش أو شهادة الزور، فإن هذا كله لا يمكن أن يدخله التغيير أو التبديل.