الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الرأي الواحد والاعتدال في الفكر الإسلامي

التكفير في حده الأقصى أو الرفض، بناءً على الممارسة الثقافية المميزة لبعض الشعوب والثقافات لا المعتقد، سلوك شاع بفترات متعددة من التاريخ الإسلامي، من أمثلته، أنه: «خروج عن نهج أهل السنة والجماعة»، وهي الجملة التي إن أُحيلت للرأي الواحد، تتحول لعبارة فضفاضة، تستخدم، خلافياً، بعد إسقاطها بشكل متعمد على ما يُمكن احتمال عدم الجزم بحلاله وحرامه أو صوابه وخطئه.

وهي بالفعل الحال التي صبغت عقوداً قديمة وقريبة، سابقة لعصرنا الحالي بأوجه لا تزال إلى اليوم، إلا أنه السمة البارزة التي قامت عليها تنظيمات وحركات عقائدية، بعضها دعوي سلطوي وآخر معارض مسلح بالدول الإسلامية، حيث يظهر فكرها المتشدد، جلياً في مفهومها لتقبل ثقافة الاختلاف في تفسير النصوص الدينية بما فيها من تشريعات وممارسات وعبادات، وأخذها من جانب واحد، ووفقاً لفهمها الأكثر تشدداً، ومن ثم إسقاطه بالقوة الدعوية أولاً، وبعد ذلك بالتحالف مع السلطة على الأغلبية من العامة في دولها أو الأقلية، دون فرق بينهما، أو إن كانت خارجة على الدولة بالقتال ضدها وشن حرب عليها.

فرض الرأي الواحد حمّال الأوجه، أضر بالأمة الإسلامية، مفضياً لنزاع ومشعلاً للجدل، ومُلهٍ عن قضايا الأمة الأهم، ومن عواقبه خلق الفتن المستنزفة للكيان الإسلامي والمُقصية والمبعدة عن الوحدة الدينية، فكان له بذلك الصوت الأعلى، وسط دعوات وسطية لم يحالفها الحظ، نادت بالتقارب والتعايش والمواءمة مع المختلف، وإحسان النية، منهم على سبيل الاستشهاد: العالم الإسلامي محمد عبده، الذي أقتبس منه قوله: «إذا صدر عن إنسان قول يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، يجب حمله على الإيمان».


فلا بد أن نشير إلى أن الانتشار والقوة التي حظيت بهما الدعوات المتشددة، لم تكن لها، لولا شقَّانِ، هما: الحاضنة الشعبية التي تبنت آراءها، ودعمتها ليس، اقتناعاً مطلقاً بآرائها الدينية والفقهية، وإنما نكايةً بالسلطات الحاكمة، ونقمةً من الفساد السياسي والمالي، ودولة القانون، هذا من جهة، ومن أخرى يتجلى الشق الثاني بالتحالف بين رجال الدين والسياسة، حيث يمنح الحكم زمام السلطة الدينية لرجال الدين، الذين بدورهم يتمتعون بقوة دعوية كافية، ومؤسسات لدعم مكانتهم وسلطتهم، الداعمة بدورها، لاستمرارية الحكم ورجاله عبر الخطاب الديني الموجه والمؤدلج.