الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

زلّة ألم

زلّة ألم

اختل توازني فسقطت أرضاً كبناء قديم هش، لا أدري كيف، كان ارتطاماً مدوياً لجدران ونوافذ القلب بذاكرته وثنياها على امتداد فصول العمر، ذلك الارتطام الذي يحيل كائنا مثلي إلى شظايا متناثرة متناهية في الضآلة، في العجز، في الاستسلام، في الهشاشة، حينما تتوقف مسرحية مهادنة الوقت فجأة ونصل إلى آخر نقطة من مناط البسالة أو الاستماتة المزعومة، حينما نكون عاجزين عن تحمل المزيد من الألم على آلامنا الدفينة، كبقعة نفط هائلة ثقيلة وسط محيط هائج!

استدركتُ لاحقاً، بأن حتى زلاّت القدم قد تعرف طريقها إلينا، فتأتي كالمسعف أو المغيث، تُخضعنا لقسطرة روح مباغتة، توسّع مناسم القلب المنهك، وتفرغه من حمولته الثقيلة وترمي بنا في ردهة الإفاقة المؤقتة!


زّلت قدماي، ولكأنني تعثرتُ بجُراب ممتلئ بالقيح، ينزُّ بوجع سنوات طوال من تعب وحرمان وصمت وخذلان وفقدان، ليفرط إثر زلّة قدم، مندفعاً كالطوفان، وبدوتُ في ضعفي كالقشّة أمامه؛ لا أنا في استطاعتي دفعه، ولا لملمته، ولا رشوته؛ وهل نستطيع رشوة أوجاعنا وكيف؟، فما أن لكزتني أمي بيدها لكي تطمئن بأني ما زلتُ على قيد الحياة حتى دوت صرختي؛ بكيت بحرقة.. بكيت من قاع روحي، وكأن وحشاً غريباً ضخماً كان يتربصني عند تلك العتبة؛ نكأ بمخالبه جراحاتي من مخبئها دفعة واحدة وتركني أتلوّى في مهب أوجاعي، لا أدري كم مرّ من عمري في تلك اللحظات، ومن رصيد صبري وخيباتي، وبأي مدى رفرفت صرختي، وبأي جدار علقت أنّاتي، وعند عتبة أي جرح سالت دمعتي، وعلى أي سلّم ارتفعت زفراتي، وأي الوجوه صافح عتبي وكحل كلماتي؟