الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المعتقد الشعبي.. فكر وقدرة

إذا كان التراث الثقافي يمثل الإرث الروحي والوجداني الذي تعكسه الآداب والممارسات الشعبية التي تقوم بها الجماهير، فإن أحد أشكال ذلك الإرث الروحي هي المعتقدات التي تتوارثها المجتمعات عبر حقبها التاريخية، والتي شكلت أحد أهم السمات الثقافية المميزة.

إن المعتقدات الشعبية بوصفها ممارسات تكشف العلاقات التي يؤسسها الإنسان مع محيطه الطبيعي، إنها كاشفة عن رؤيته ومطامحه التي تشكل انعكاسا عن الرؤية الاجتماعية وتطور الفكر الإنساني واختراقه للأمنة؛ ذلك لأن المعتقدات تُظهر ضمن فعلها الثقافي والاجتماعي تفسير الإنسان للطبيعة من حوله (الشمس، والقمر، والنجوم، والرياح، وغيرها)، ليبتكر من خلالها مجموعة من الطقوس والممارسات في شكل أنظمة خلاقة مبنية على المخيال من ناحية والارتباط بالفضاء وبناء علاقة معه من ناحية أخرى.

فالمعتقدات تمثل فكرا شعبيا قد يتناقض مع التطور الحديث للمجتمعات، إلا أنها تكشف عن الإنتاج الفكري وأنماطه التي أنتجت عبر تطورها مجموعة من الأنساق المعرفية ذات الكينونات المستقلة من الناحية المعرفية والمتصلة من الناحية الاجتماعية والثقافية، ولعل مجتمع الخليج العربي عامة يتميز بمجموعة من تلك الممارسات الكاشفة عن المعتقدات ذات البعد الثقافي، وهي معتقدات تقوم على الأسطورة التي تطورت معرفيا ليبقى منها الفعل الطقسي دون الحكي.


إن المعتقدات المتعلقة بالطيور والحيوانات المتفائل بها أو المتشائم منها، وتلك المتعلقة بالأماكن المباركة وزياراتها و تلك النذور المختلفة وزيارات الأولياء، بل تلك المتعلقة بتفسير الأحلام والرؤى وغيرها من المعتقدات، كلها تقوم في الأصل على البعد الثقافي الكاشف لقدرة الإنسان في المنطقة على بناء علاقة مع الموجودات من حوله، وقدرته التخيلية المبنية على الواقع والتفاعل معه لإيجاد وسائل تفسيرية قادرة على مساعدتهم لبناء منظومة مجتمعية، فالمعتقد كما يقول (دورسون): «الخيال الذي يقوم بناؤه على عناصر الواقع الثقافي»


وعليه فإن المعتقد الشعبي في منطقة الخليج ينشأ ضمن مجموعة من المقومات منها البعد الزمني والحضاري للمنطقة، الأمر الذي يجعلنا نقول بأهميته من الناحية الثقافية، ولعل الدعوة إلى جمعه وتصنيفه هي حق من حقوق ثقافتنا علينا، بل إن استثمار هذه المعتقدات في مجالات منتجة من مثل السينما والدراما، والابتكارات الثقافية المتنوعة، يعد من الصناعات التي تقدم لنا فرصا متعددة للتنمية الثقافية المستدامة الواعدة الداعمة لاقتصاد المعرفة.