الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أطفالنا البرجوازيون

حينما كنا صغاراً، نتذكر جيداً كم كانت تغمرنا السعادة العارمة عند حلول الأعياد بجمع الدراهم والقروش من الأهل والجيران، حينها كنا نطير فرحاً، إن قدم أحدهم لنا ورقة نقدية من فئة الخمسة أو العشرة دراهم، ونظل نكرر عدّ ما جمعناه طيلة اليوم، ووضع قائمة بما سنقتنيه من ألعاب وكتب نحبها.

كان الشعور نفسه يعترينا، حينما يقدم لنا أهلنا 10 دراهم، لشراء ما نريده من المقصف المدرسي، ونتشاركه مع أصدقائنا المقربين، ونضع الباقي منه في سلة التبرعات.

لعبة واحدة كانت تكفينا لنصبح ونمسي عليها طيلة أيام العطلة المدرسية الطويلة.. سفرةٌ تغنينا وتشعرنا كم نحن مرفهون ومدللون، مقارنة بأقراننا.. حذاء وحقيبة واحدة وربما اثنتان، نرتديها طيلة العام الدراسي.. كنا متفوقين منكبين على دروسنا رغم أنه من بيننا أصدقاء، ذووهم جاهلون لا يعرفون القراءة والكتابة.


ما الذي تغير في أطفال اليوم؟ لا يلبثون أن يشتروا كماً من الألعاب إلا وسئموها صباح اليوم التالي.. تُملأ حقائبهم الخاصة، بالطعام بكل ما لذ وطاب، ويشتكون من عدم توافقها مع أذواقهم.. تأخذهم نهاية كل أسبوع في رحلة ترفيهية إلى مركز تجاري أو وجهة سياحية ويتأففون مللاً.. لا يدركون قيمة المال ومصدره، وينتهجون التبذير سلوكاً، وكأنهم، جميعاً، ينتمون إلى طبقة برجوازية.


الدلال المادي أفسد أطفالنا وحوَّلهم إلى ماكينات تسحب من جيوب الأهل، بحجة عدم التقصير والحرمان، والتعويض عن ساعات الغياب.

لا للمحاكاة في الوجاهة المقلدة.. ولا لتحويل أطفالنا إلى كائنات مزيفة، مُثُلها العليا لا تتجاوز المظاهر الخداعة في نمط العيش المادي والملبس والمشرب والمأكل، فعقدة الوجاهة والاستعراض التي تعتري بعضهم، لا تخلق إلا عالَماً أكثر تخلفاً، يسقط عنه القناع في أبسط الأزمات.