الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحجر المنزلي.. وكتاب «ابن الخطيب»

في زمن مرض (كورونا)، تكون العودة إلى الكتب إحدى أهم أسباب تمضية الوقت، والتسلية عن النفس، خاصة عندما يكون الحجر المنزلي لازماً، وتنفيذه أمراً لا بد منه.

من الكتب التراثية المسلية كتاب (مقنعة السائل عن المرض الهائل)، ألَّفه العلامة لسان الدين أبوعبدالله محمد بن عبدالله بن سعيد السلماني، قدِمت أسرته من (سلمان) إحدى المواضع باليمن، إلى (الأندلس) عقب الفتح الإسلامي، واستقروا في (قرطبة)، ثم انتقلوا إلى (طليطلة)، وكان جده (سعيد) عالماً ورِعاً، فجعل يلقي دروسه ومواعظه في (لوشة) فعُرف بالخطيب، وعُرفت الأسرة باسم آل الخطيب.

ولد لسان الدين بن الخطيب سنة 713هـ، ونشأ في (غرناطة)، وبها تلقى علومه على يد كبار علمائها، وفيهم العالم باللغة والأدب والعالم بالفقه والأصول وفيهم العالم بالطب، وانتهت حياته عام 776هـ، بطريقة مأساوية جداً، وهو صاحب «قصيدة» جادك الغيث إذا الغيث همى، والبعض يسميها «زمن الوصل» والتي يقول في مطلعها:


جادك الغيث إذا الغيث همى


يا زمان الوصل بالأندلس

مقالي هنا، ليس لمناقشة تاريخ ابن الخطيب، ولا لسرد حوادث حياته، إنما هو، فقط، وبسبب (كورونا)، للتعريج على ابن الخطيب الطبيب، من خلال ما خلَّفه للعالم من تراث طبي رائع، فرغم أنه لم يتفرغ لممارسة الطب تفرغاً تاماً، إلا أن عنايته بالتأليف في مجال الطب كانت كبيرة، ويظهر ذلك من خلال مؤلفاته وكتابته الطبية، وفي مقدمتها كتاب (عمل من طب لمن أحب) ألفه للسلطان، وتناول فيه مختلف الأمراض مع أسباب كل مرض وأعراضه وعلاجه، ونظام الغذاء الذي يناسبه، كما تحدث فيه عن مختلف أعضاء الجسم وطرق العناية بها، وكتابه المتقدم (مقنعة السائل عن المرض الهائل) الذي خصَّصه للكتابة عن الطاعون الجارف الذي ضرب الشرق الأوسط ومنطقة المغرب العربي، ثم وصل إلى أوروبا سنة 748هـ، وامتد قرابة عامين، وأنجى الله منه من نجَّاه، وعلى رأسهم من فهم (الحجر المنزلي) عند وقوع الأمراض الوبائية، ومنهم من ذكرهم ابن الخطيب في هذا الكتاب قائلاً: «الزاهد ابن أبي مدين بمدينة (سلا) المغربية، وكان من القائلين بالعدوى، وقد تزوَّد لمدة، وبنى باب منزله على أهله وهم كثيرون، وفنيت المدينة، ولم يرزأ نسمة واحدة بطول تلك المدة».